اغلق القائمة

الإثنين 2024-04-29

القاهره 02:54 م

مصطفى محمود

مصطفى محمود.. أحب الله وسعى لمعرفته بطرح الأسئلة ليفهم ويتقرب فاتهموه بالإلحاد.. أنشأ «جمعية الكفار» وهو فى سن الثانية عشرة وقام بتوزيع منشورت ضد إمام المسجد على المصلين..توجه للدين لتفسير أسرار الموت والحياة

كتبت دينا عبد العليم الإثنين، 06 مايو 2019 12:00 م

- رحلة الشك بدأت بعلاقة شيخ الجامع والصراصير وواجهه بجمعية الكفار وهو فى سن الثانية عشرة

 
إن سر القلق أننا نعيش بلا دين، بلا إيمان وأن ديننا هو من الظاهر فقط، كلمات على الألسن فى المناسبات وصلوات تؤدى بحكم العادة، فاعـرف نفسك تعرف ربك، كلمات قالها المفكر الكبير والعظيم، الراحل الدكتور مصطفى محمود، الذى عاش حياته مثيرا للجدل، متمها من الجميع بالكفر والإلحاد والجنون، لمجرد قرار اتخذه بالتفكير «لن أستسلم لما يخبرنى به الناس، لن أقبل بالإجابات المعتادة، لن أتوقف عند حدود المكان والزمان، سأذهب لما هو أبعد من ذلك بكثير» هذا هو ما أراده ولو تعمقت فى سيرته الذاتيه فسوف تكتشف من اللحظة الأولى أن إيمانه طغى على قلبه، وأن الشك تملك منه ما هو إلا وسيلة للتقرب إلى الله ومعرفته معرفة حق، حتى يعبده وهو على يقين وإيمان وفهم وقناعة كاملة دون أن تنقصها ذرة.
 
الرحلة الطويلة التى عاشها الدكتور مصطفى محمود والتى وثقها فى حياته الكاتب الصحفى السيد الحرانى فى كتابه الصادر عن دار اكتب للنشر والتوزيع فى ديسمبر  2009 بعنوان «مذكرات مصطفى محمود»، والذى شرع فى كتابته قبل هذا التاريخ بعام، وتحديدا فى السابع والعشرين من ديسمبر 2008 وهو يوم ميلاد المفكر الكبير وكانت العائلة فى هذا اليوم تحتفل بعيد مولده الثامن والثمانين، فقابله الكاتب فى منزله ليفتح لنا قلب المفكر الكبير منذ أن كان طفلا غير عادى، كما ذكر على لسانه فى الفصل الأول والذى أطلق عليه الكاتب «بذرة الشك»، ووفقا لحديث مصطفى محمود فهو لم يكن عاديا، بل كان ضعيف البينان هزيلا، مريضا دائما لا يستطيع اللعب مع أقرانه الذين كانوا يتجمعون للعب الكرة، بينما يمنعه المرض المستمر من مشاركتهم، وربما يكون هذا المرض هو السبب فى اختلافى، فقد تركت أقرانى يلعبون فى الشارع وأذهب أنا فى جولاتى بين الكتب، فكنت أعيش  بين الأبطال الخارقين، ومعهم خلقت عالمى الخاص.
 
تربى مصطفى محمود وفقا لحديثه فى الفصل الأول من الكتاب تربية دينية فكان يتردد على المسجد لتحصيل دروس الدين، لكن ومنذ اليوم الأول كان دائم الشك.
 
 

قصة الصراصير وإمام المسجد 

كل هذه الأفكار المدهشة والربط بينها فى سن صغير يجعلك تتأكد أن القادم سيكون مختلفا، لأفكار تتجمع فى سياقات مختلفة لكن الفيلسوف الكبير يربطها بشكل مذهل لا يستطيع عليه عقل طفل، فطرح سؤاله الأول، «إذا كان الله خلق الإنسان والكون فمن خلق الله؟ ومن هنا رفضت عبادة الله لأنى استغرقت فى عبادة نفسى وأعجب بومضة النور التى بدأت تشتعل فى قلبى وترفض كل المسلمات»، وإن أردت أن تدرك حجم الإحباط الذى واجهه المفكر مصطفى محمود بسبب قصة الصراصير وإمام المسجد، فانظر إلى رد فعله، فقد أنشأ جمعية أطلق عليها أسم «جمعية الكفار»، وهو فى سن الثانية  عشرة وكان مقرها منزله القائم أمام مسجد سيدى عز الرجال، وكان يطبع مع اصدقائه منشورات لإستقطاب الناس وحثهم على الاشتراك فى الجمعية كما كان يدعو لرفض ما يقوله إمام المسجد، وكان ينتظر أوقات الصلاة، وبعدها يدخل المسجد لتوزيع المنشورات على المصلين، بهدف التمرد والانتقام، وهنا يقول مصطفى محمود إن هذا الانتقام رد عليه فى شكل «علقة موت» من إمام المسجد والمصلين ذات يوم بعد أن طاردونا ونحن نوزع المطبوعات عليهم بعد الصلاة.
 
رغم صغر سنه فى هذا الوقت فإن عقله سبقه واستوعب ما هو أبعد من ذلك بكثير، فقد كان يقضى يوميا من 5 إلى 6 ساعات فى المكتبة بين كتب سلامة موسى وشبل شميل واستغرق فى أفكار دارون عن الكون ونشأته، حيث أفصح فى حديثه للحرانى والذى نقله فى المذكرات أن هذه الفترة ظهر فيها العديد من الحركات التى كانت تدعو للتعقل والتفكير، وكانت هذه الحركات بمثابة ثورة على الدين، ومن خلال هذه الكتب دخل مصطفى محمود مرحلة جديدة من عمره وهو ابن السادسة عشرة، حيث رفض المسلمات بداية من الطبيعة الملموسة ثم الفيزياء التى لم تفسر له أسرار الموت والحياة ثم الفلسفة التى وجدها وفقا لتعبيره «تحتاج فلسفة لتفسيرها»، فتوجه إلى الدين وجدته هو الأقرب للتفسير من غيره.
 
 

رحلة جديدة.. الطب والعلم

رحلة جديدة بدأها مع التعليم الجامعى برفض رغبة والديه بالالتحاق بكلية الحقوق وقرار الالتحاق بالطب، حيث يقول فى الفصل الثانى من الكتاب والذى جاء بعنوان «الهروب من الطفولة»، إنه اختار كلية الطب لسبب محدد وواضح، وهو الوقوف على الحقائق ومعرفة المزيد عن الوجود والموت والحياة وهو ما تقرب منه، حيث يقول إنه بعد التعرف على البكتيريا والأمراض وطرق علاجها والوقوف أمام الجثث فى المشرحة بالساعات وجدت الإجابة على كل ما يدور فى فلك الحياة وما يدور حولى وعرفت من أين جئنا وإلى أين سنذهب وكأن الوقوف فى المشرحة هو البداية الحقيقية للإيمان، وكان وقتها يمارس العديد من الهوايات بجانب الدراسة فقد كان يذهب إلى النادى ويعزف الموسيقى فى الأفراح وينشر بعض الكتابات فى المجالات الأدبية، وهى أمور لم تستوعبها أسرته الصغيرة، خاصة بعد وفاة الوالد وهى السلوكيات التى رفضتها أمه لكنه لم يستسلم لرفضها ووصل به الأمر لقرار ترك المنزل والعيش فى بنسيون بمنطقة حلوان، وبدأ يبحث عن عمل، فعمل محررا فى بعض الجرائد لكسب قوت يومه، وهنا يتذكر مصطفى محمود علاقاته بالوسط الصحفى التى سردها فى الفصل الثالث بعنوان «حكايتى مع الموت»، ويذكر فيه صديقه كامل الشناوى الذى علق له بعد أزمة كتاب «الله والإنسان» بجملته الشهيرة «أنت بتلحد وأنت على سجادة الصلاة»، كما يتذكر علاقته بصديقه الكاتب الكبير أنيس منصور قائلا إن المناوشات لم تتوقف بينهما يوما، وأنه يذكر أن أنيس كان ينزل إلى المطبعة ليلا بعد انصراف العمال منها ويقوم بتغيير إمضاءه على المقالات، حيث كان يمضى «م.م»، فيقوم أنيس بتغيرها إلى «م.ع»، وعندما كنت أكتشف ما حدث بعد الطباعة أغضب وأذهب إليه قائلا «إنت مستكتر عليا حرف»، وكان يضحك وأنا أضحك وينتهى الموقف بالضحك.
 
 

بين المشرحة والمكتبة

بين المشرحة والمكتبة قضى مصطفى محمود أيامه، والتى كانت أغلبها مضطربة بعد أن أصدر كتابه الأول «الله والإنسان»، رغم إرساله نسخة إلى المفتى الذى قال رأيه فى الكتاب بأن هذا الأسلوب يبشرنا بكاتب كبير وعالم ومفكر، وكان هذا اعترافا رسميا من الدولة بقيمة الكتاب، ولكن وفقا لتعبير مصطفى محمود «قضاة محاكم التفتيش الجدد» رفضوا الكتاب، فاتهم بالجنون والكفر وقدمت الشكاوى ضده فى المحاكم، وتمت مصادرة النسخ المعدودة المتبقية وهنا يعلق مصطفى محمود قائلا: «لقد كفّرونى لأنى امتلكت نفس ما امتلكوه، نفس مؤهلاتهم، القدرة على جذب الانتباه، القدرة على جعل الآخرين يستمعون ويؤمنون بما أقول، قالوا نقضى عليه وهو صغير، وناجيت روح أبى: لقد اتهمونى بالكفر يا أبى، أنا ابنك اصطحبتنى إلى المسجد وأنا ابن الثالثة وألبستنى الطاقية والجلباب الصغير، أنا الذى حفظتنى القرآن والحديث، بينما مازال من فى مثل عمرى يلعبون فى تراب الشارع»، وعاش محمود وفقا للمذكرات بعد تكفيره فى عزلة كبيرة وإحباط، لكنه لم يتوقف عن التفكير فقد طرح سؤال آخر: «لماذا أرسل الله جبريل إلى محمد بالرسالة ولم يلهمه مثلما ألهم الموسيقيين والفنانين والمبدعين بفنهم»، وهو السؤال الذى جدد دعوات التكفير التى ظن أنها ستصل للمطالبات بإعدامه، معلقا أنه توصل للإجابة أنه الله كان عليه أن يميز رسوله عن بيتهوفن وجوخ وعنتر وقيس».
 
ورغم مرور الموقف فإن رحلة التربص به وكتاباته قد بدأت، فقد أصدر جمال عبدالناصر وقتها أمرا بمنعه من الكتابة فى الصحف، وأدرك السبب وراء ذلك هو غضب عبدالناصر من مقالتين كتبهما الأولى بعنوان «سقوط اليسار وتحدث فيها عن هتلر والنازية، أما الثانية كانت بعنوان «الخروج من مستنقع الاشتراكية»، وهنا يقول  إن هيكل غضب من المقالتين ولم ينس أن ينقل غضبه إلى عبد الناصر الذى أمر بمنعى من الكتابة، رغم أنه من توسط بعد ذلك لعودتى للكتابة مرة أخرى بعد مرور عام، مضيفًا فى المذكرات أن هيكل عاش أسوأ أيام حياته بعد وفاة عبدالناصر، فقد كان يظن أن سيرث مصر من بعده على وكان يتعامل على أنها وسية، وأنه الوريث الشرعى لها، وبالطبع لم يمر ذكر عبدالناصر فى مذكراته من خلال حديثه للكاتب مرور الكرام، فوصف عبدالناصر بأنه دراكولا العصر الحديث، والفصل السادس من المذكرات والذى جاء بعنوان «محاكمة الناصرية».