اغلق القائمة

السبت 2024-04-27

القاهره 02:58 م

حازم حسين

انقضاء وهم الإخوان.. قراءة فى آخر مشاهد الجماعة (2)

حازم حسين الثلاثاء، 21 مايو 2019 10:00 ص

انقضت سَنة «الإخوان» فى حكم مصر بفاتورة باهظة، اجتماعيًّا وسياسيًّا، لكن الجماعة دفعت تلك الكُلفة كاملةً مع إخراجها القاسى من السُّلطة، ليتفكَّك جسدها الضخم إلى أجنحة وتيّارات شتّى، منعها خطاب المظلومية من الاشتباك المُعلن طيلة ثلاث سنوات، إلى أن تأكّدت جميعًا من سقوط رهان الشرعية، أو احتماليّة إجبار سلطة 30 يونيو على التفاوض أو تقديم تنازلات للتنظيم، فبدأ كل منها التعبير عن نفسه، ومُسابقة الآخرين لتحصيل أكبر قدر من المكاسب.
 
لم تعد الجماعة جسدًا تنظيميًّا واحدًا، ولم تنقسم حتى على فريقين يُمثّلان التنظيم القديم فى مواجهة الحزب وقادته، وإنما تفكَّكت الجماعة والحزب إلى تيّارات عدّة، ارتبط كل منها بتحالفاتٍ ومصالح مع حزمة من الفرق الناشئة داخل تركيبة الإخوان وداعميها، وانفصل عنها فى الوقت نفسه، بمقدار ما يُسيطر على قادة كل جناح من أحلامٍ وتطلّعات.
 
كانت البذرة الأولى للشِّقاق مُرتبطة بصراع الرؤى المُحتدم فى أروقة الجماعة، بين فريق يُحمِّل مكتب الإرشاد وحَرسَه القديم مسؤولية الهزيمة الفادحة، وثانٍ يُعلِّق الجرس فى رقبة الحزب وممارساته السياسية الرعناء، وبينهما موجات من النقاد الداخليّين، الذين رأوا الأمر مُرتبطًا بإدارة خيرت الشاطر وحلفائه القطبيّين للمشهد، أو استعجال صقور الوسط للتمكين والقبض على مقاليد السلطة، أو الإخفاق التكتيكى والاستراتيجى فى التحالف مع السلفيّين والجماعات العائدة من إرهاب الثمانينيات والتسعينيات، واستفزاز المجموع الشعبى ومؤسَّسات الدولة بتلك التحالفات، ومشهدها الأبرز عندما دَعوا قتلة الرئيس السادات فى الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر.
 
لم يكن الخلاف البازغ بين أجنحة الجماعة مُؤسَّسًا على رؤى فكرية وقيميّة، أو مُنطلِقًا من أُسسٍ وثوابت تنظيميّة، وإنما كان حصيلة اجتهادات وتقديرات فردية للمشهد بنظرة استعادية، تدّعى الحكمة بأثرٍ رجعى. ولأن سيناريو التمكين الذى أودى بالجماعة ومشروعها كان نِتاج تطلُّعات الجميع وأطماعهم، وحظى بقبول واسع من الحرس القديم وصقور الوسط وصولًا إلى دوائر الشباب، لم يُقرّ أى فريق بمسؤوليته عن الكارثة، ولا حتى بشراكته فى جانب منها، فمضت الرؤى جميعًا فى وجهاتها دون التقاء أو تقاطعات، كأنها قضبان قطار متوازية، أو حوار طرشان لا يفهمون غيرهم، ولا يسمعون أنفسهم. 
 
حالة السيولة وتَسرُّب خطاب الجماعة فى مسارات عدّة، بدت واضحة للوهلة الأولى فى تَوزُّع عناصرها النازحة، عقب 30 يونيو وفضّ اعتصام رابعة العدوية، على ثلاث وجهات رئيسية: تركيا، وقطر والسودان، ومنها إلى تفريعات أخرى لاحقًا، شملت جنوب أفريقيا وماليزيا والفلبين وتايلاند وإندونيسيا، والمراكز الأوروبية التقليدية للتنظيم فى لندن وباريس وبرلين وغيرها. واحتفظت مُجتمعات النزوح الجديدة بقوام مُتجانسٍ فى بادئ الأمر، قبل أن تتفكَّك وتذوب فى ولاءات وتحالفات أخرى، أو تسير على قضبان أجنحة جديدة، تَتابع بُزوغها من رحم متوالية الانشقاقات التى لا تنقطع. ولعلّ ملمح التجانس الأول كان باديًا فى مُعاقبة مكتب تركيا لإخوان السودان، بقطع الإعانات المادية عنهم بين 2015 و2016، ما عرَّضهم لضغوطٍ معيشيَّة قاسية، قبل أن تتدخَّل حكومة أنقرة، بمعاونة نظام البشير، لكفالتهم ونقل بعضهم إلى اسطنبول أو عواصم أخرى بين آسيا وأوروبا.
 
لعبة الأجنحة كانت فى حاجة إلى ظهير حاملٍ لتلك الخطابات المُتصارعة، بغرض البقاء فى قلب المشهد مُتّصل الفرز والانشطار، وتسويق الخطابات الفرعية لكل جناح، واستمالة مزيدٍ من القواعد والداعمين. تلك المعادلة دفعت الخصوم المُشتبكين إلى تدشين منصَّات ونوافذ إعلامية، واستمالة حلفاء من داخل التنظيم وخارجه. هكذا تأسَّست ثلاث قنوات تليفزيونية: وطن، والشرق ومكمّلين، وعشرات المواقع الإخبارية التابعة أو المُؤجَّرة، وتعمَّقت التحالفات مع منصَّات قائمة، مثل «المصريون» و«مصر العربية» وشبكة الجزيرة، ثم «فضاءات ميديا» بإصداراتها العديدة المملوكة للدوحة، ومدّ أواصر التحالف والتنسيق مع وجوه عديدة فى منصَّات إعلامية دولية، أبرزهم ديفيد كيركباتريك فى نيويورك تايمز، وناصر الشروف فى القسم العربى بـ«دويتش فيله» الألمانية، وآخرين فى BBC وهافنجتون بوست وواشنطن بوست وجارديان البريطانية.
 
تشير بعض التقديرات، من واقع وثائق مُسرَّبة نشرتها، «اليوم السابع»، قبل أسابيع، إلى أن الفترة التالية لثورة 30 يونيو شهدت تضخُّم نوافذ الإخوان عبر مواقع التواصل الاجتماعى، حتى تجاوزت 1200 صفحة وحساب وقناة فى «فيس بوك» وتويتر ويوتيوب، خلاف الحسابات والصفحات الشخصية للقيادات والإعلاميين والصفّ، وخلال الفترة من منتصف 2016 وجَّهت الجماعة عشرات الملايين من الجنيهات لإدارة أذرعها الإعلامية الكثيفة، بينما أخذ صراع الأجنحة أبعادًا أكثر تطوّرًا، باستهداف كل فريق لمنصَّات ونوافذ الآخرين.. تواترت عمليات الاشتباك والهجوم والقرصنة بصورة غير مُعلنة، لكن ما كان يُرَتَّب ويُنَفّذ فى الغُرف المُغلقة، لم يكن سهلاً إبقاؤه فى حيِّز الكتمان، لذا كان من الطبيعى أن يخرج للعلن، كما حدث فى إفطار الجماعة بأحد فنادق اسطنبول خلال الأسبوع الماضى.