اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 08:16 م

الحرب الأهلية الأمريكية

مصائب قوم عند قوم فوائد.. كيف ساهمت الحرب الأهلية الأمريكية فى تقدم مصر؟

كتب محمد رضا الأحد، 10 مارس 2019 09:00 م

يوم 12 أبريل سنة 1861، فتحت القوات الكونفدرالية الجنوبية نيران مدفعيتها نحو حصن سمتر، فى تشارلستون، فى كارولينا الجنوبية، معلنة بذلك اندلاع حرب الانفصال وبداية صفحة سوداء بتاريخ الأمريكيين، وما بين عامى 1861 و1865، عاشت الولايات المتحدة الأمريكية على وقع الحرب الأهلية التى تسببت فى سقوط حوالى 700 ألف قتيل لتصنّف بذلك كأكثر حرب دموية فى تاريخ البلاد.

 

فى غضون ذلك، مثّلت الحرب الأهلية الأمريكية فرصة ذهبية للعديد من الدول والمستعمرات لتحقيق أرباح خيالية، حيث شهد الاقتصاد الأمريكى انهيارًا أثناء فترة الحرب خاصة بسبب الحصار البحرى المفروض على الموانئ وهو الأمر الذى ساهم فى تقهقر التجارة وحرم الاقتصاد الأمريكى من عائدات تجارة القطن فى القارة الأوروبية، فخلال تلك الفترة التى تزامنت مع ازدهار صناعة النسيج بالعديد من الدول الأوروبية خاصة إنجلترا، عانت الأسواق من نقص فادح فى القطن الملقب حينها بالذهب الأبيض، وهو ما أسفر عن ارتفاع سعره بأكثر من 150%، وأمام هذا الوضع، لجأ العديد من الفلاحين بكل من أستراليا والهند لزراعة القطن بهدف تصديره إلى أوروبا لما فى ذلك من أرباح.


صورة تخيلية للحرب الأهلية الأمريكية

 

تزامنا مع ذلك، استغلت مصر، التى وضعت - خلال عهد محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة - حدًا للهيمنة العثمانية المباشرة التى استمرت لأكثر من 3 قرون، أزمة الحرب الأهلية الأمريكية لتحقيق أرباح كبيرة عن طريق تعويض النقص الفادح للقطن بالأسواق الأوروبية الذى سببه تعطّل التجارة الأمريكية الأوروبية خاصة مع السمعة الجيدة التى كسبها القطن المصرى الذى اعتبر من أفضل وأجود أنواع القطن بالعالم حينها، وذلك حسب تقرير نشرته "العربية"، اليوم الأحد.

وبينما صدّرت مصر سنة 1861 نحو 600 ألف قنطار من القطن، ارتفعت هذه الكمية بشكل واضح لتتضاعف وتبلغ قرابة 1.3 مليون قنطار بحلول العام 1863 وهو نفس العام الذى تولى خلاله الخديوى إسماعيل السلطة بالبلاد، حيث أولى الخديوى أهمية خاصة لهذا القطاع الصاعد، فضلا عن ذلك، لعب الموقع الجغرافى لمصر المطل على البحر الأبيض المتوسط دورًا هامًا فى زيادة صادراتها من القطن، حيث صدرت منتجها من الذهب الأبيض نحو موانىء أوروبية هامة كميناء مرسيليا وميناء ترييستى لتساهم بذلك فى توفير مستلزمات مصانع النسيج الفرنسية والنمساوية.


زراعة القطن

 

بفضل عائدات تصدير القطن وسياسة الاقتراض، واصل الخديوى إسماعيل سياسة عصرنة البلاد ليمد المزيد من قنوات الرى ويأمر ببدء العديد من الأشغال العامة، أيضًا، اعتبرت مصر أول منطقة خارج أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تظهر بها خطوط السكك الحديدية، فخلال خمسينيات القرن التاسع عشر، أنشأت مصر أولى خطوط السكك الحديدية والتلغراف والتى أمر الخديوى إسماعيل بتوسيعها، بفضل ما وفرته تجارة القطن لخزانة مصر، لتمتد خارج القاهرة والإسكندرية، كما أمر حاكم مصر بإنشاء العديد من الجسور والمدارس ودور الثقافة.


الخديوى إسماعيل

 

كما ساهمت زراعة وتجارة القطن فى تزايد ثراء العديد من سكان دلتا النيل الذين استغلوا هذه العائدات المالية لاقتناء بعض الأشياء الباهظة وأداء مناسك الحج، وبسبب اتجاه أغلب الفلاحين لزراعة القطن، ارتفعت أسعار المواد الغذائية التى قل وجودها بالأسواق بشكل سريع، وإضافة لذلك، عرفت نفس الفترة إقبال عدد هام من المستثمرين الأوروبيين نحو مصر للاستثمار فى مجال القطن والذى تحوّل لتجارة مربحة وغير مكلفة.

فى غضون ذلك، سعى الخديوى إسماعيل للاستثمار فى مجال القطن والسكر وتطوير هذين القطاعين وتحسين القاهرة لجعلها شبيهة بباريس، كما خاض حربًا مكلفة ضد إثيوبيا، ولهذا السبب، وافق حاكم مصر على إنشاء بنوك بريطانية وفرنسية على أراضى بلاده ليقترض منها مبالغ خيالية عجز عن سدادها، وقد تزامن كل ذلك مع نهاية الحرب الأهلية الأمريكية وعودة العملاق الأمريكى للسوق العالمية، وهو الأمر الذى أسفر عن إغراق الأسواق بالقطن ليتراجع سعره وتشهد مصر على إثر ذلك أزمة مالية خانقة هددتها بالإفلاس.


مصانع النسيج الأوروبية

 


محمد على باشا

 


كاريكاتير معبر عن مرحلة تراكم الديون على مصر

 


حصاد القطن "الذهب الأبيض"