اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 03:26 ص

احمد المالكى

المحافظة على البيئة.. مقصد شرعى وواجب ذاتى

الأحد، 17 فبراير 2019 10:00 ص

-  إنّ أمة تحمل هذه العظمة وتزخر مكتباتها بهذا التراث البنّاء هى أمة تحمل رسالة الحياة وتستجيب لدعوة الحياة

 
إن من مظاهر عظمة هذا الدين الكمال والشمول والثبات، وهذه الخصائص هى التى جعلت العلماء وأصحاب العقول يبرزون هذه الخصائص فى خدمة البشرية من خلال ما كتبوه وسطروه بأيديهم فى كتبهم، فكتبوا فى كل المجالات والفنون، حتى كانت المكتبة الإسلامية أكبر مكتبة عرفها الإنتاج البشرى عبر التاريخ، فقد استوعبت كل المعارف الإنسانية، فبحثوا فى كل المجالات، وكتبوا فى كل التخصصات.. حتى إن مؤلفات هؤلاء العلماء كانت ولا تزال هى الأساس الذى بُنيت عليه النظريات العلمية الحديثة، وهذا يدل على أن العلم فى حياة هذه الأمة من أبرز عناصر صياغة الإنسان وبنائه.
 
وأنعم الله على البشرية كلها بأن سخّر الكون كله لأجل الإنسان، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ «32» وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ «33» وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ «34»). إبراهيم.
كما أنه، سبحانه وتعالى، خلق الإنسان واستخلفه فى الأرض لإعمارها والمحافظة عليها، وليس للإفساد قال تعالى: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً...». (البقرة: 30)، وقال سبحانه وتعالى: «وَلاَ تَعْثَوْا فِى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ». (البقرة: (60.
 
ودعاه لحمايتها وإعمارها، ونهاه عن العدوان عليها قال تعالى: «وَلاَ تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ». الأعراف «56»
وأن الصلاح والطاعة متلازمان كما هو مقرّر فى الشرع الشريف.. وأن العدالة صِمَام أمان ضد كل أنواع الفساد.. ولن تنصلح أحوال الإنسان إلا بإصلاح بيئته التى يحيا فيها.
 
قال تعالى: «وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِى الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ». )الأعراف 10).
بل إن الله جعل استحقاق العذاب لمن يفسد الأرض بضرر الإنسان أشد ممن يضيع حق الله.
قال تعالى: «وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ». الأعراف «74»، وقال تعالى: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ». هود «117»
ومن هنا ندرك أن عمارة الأرض، والحفاظ على البيئة والكون ومناخه ونظافته، من مقاصد الشرع الشريف، وذلك جلى واضح بين فى آيات القرآن الكريم والسنة النبوية.. فقد حثت السنة النبوية الشريفة على حماية البيئة ومكوناتها ونهت عن الإضرار بها بأى شىء، فإن الضرر ممنوع فى جميع صورة وأشكاله، فعن أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار» رواه ابن ماجة.
 
كما وجّه- صلى الله عليه وسلم- إلى ضرورة الحفاظ على الموارد، وترشيد استهلاكنا إياها، ومنها أنه مر على سعد وهو يتوضأ فقال له: «لا تسرف فى الماء، فقال: وهل فى الماء من إسراف ؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار». رواه ابن ماجة.
 
ولهذا فقد أولى علماؤنا عمارة الأرض والبيئة أهمية بالغة وكتبوا فى المحافظة عليها، سواء كان بمؤلفات مستقلة، أو ذكر ذلك فى ثنايا كتبهم، فالإمام السجستانى: المتوفى سنة 250، وقيل سنة 248هـ: له من التصانيف: كتاب الإبل، وكتاب الجراد، وكتاب الحر والبرد والشمس، وكتاب الحشرات، وكتاب الزرع، وكتاب الطير، وكتاب المياه، وكتاب النبات والشجر، وكتاب النحل والعسل، وكتاب النخلة، وكتاب الوحوش.
 
وهناك «رسالة فى آلات مقياس ارتفاع الغيوم والأبخرة» للتبريزى، و«رسالة فى المد والجزر» للكندى، وغيرهم الكثير.
 
كما تعمر المكتبة الإسلامية بمؤلفات مستقلة عن عناية الإسلام بالبيئة، مثل: «فقه البيئة فى الإسلام»، لإبراهيم على حسن النحاس عن مؤتمر التجديد فى الفكر الإسلامى، نشر وزارة الأوقاف، القاهرة، 2001، ورؤية الدين الإسلامى فى الحفاظ على البيئة، لعبدالله شحاتة. 
 
وأولوها عناية هامة من خلال البحث العلمى الأكاديمى، مثل: «البيئة فى السنة النبوية»، وهى رسالة للحصول على درجة الدكتوراة، ليونس ماجد.
 
إنّ أمة تحمل هذه العظمة وتزخر مكتباتها بهذا التراث البنّاء، هى أمة تحمل رسالة الحياة، وتستجيب لدعوة الحياة، جديرة أن تسخر كل طاقاتها للبناء والإعمار، وتتمرد على الفوضى وكل ما فيه تعطيل طاقات الإنسان، بل تشمر عن سواعد الجد والإقدام على الإعمار باندفاع شرعى وذاتى يقضى على الكسل والفتور، ويتحدى عبث العابثين وتخريب المخربين.