اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-05-07

القاهره 02:41 ص

فارس على فرس

محمود حمدون يكتب : سيف مبتور

السبت، 05 يناير 2019 08:00 م

ما أشدُّ غرابة ما رأيت اليوم, فارس يمتطي صهوة جواد خشبي , يُمسك بيده على مقبض سيف مبتور من منتصفه , لحيته مسترسلة , كأنما كان نديماً لأهل الكهف , يسير بتؤدة بين السيارات الحديثة المارقة , لا يُعير الناس اهتماماً , هم لا يلتفتون إليه , فكُلّ في شغل .

 

على الناصية المقابلة , شبح طفولي الوجه و إن بدا بعينيه لؤم الثعالب و خُبث الضباع , يقف بقامته القصيرة و بطنه الناتئة , يتلاعب الهواء بقميصه و شعره , كان يرقب " الفارس " بعيني صقر , يدوّن بدفتر صغير يُخبئه بحرص بين طيات سُترته , يُخرجه على استحياء , يكتب كل شيء , سكنات الفارس و حركاته , حتى تلك الخلجات التي تعتري وجهه من ألم جوع أو ارهاق سير طويل .

 

اقتربت من بائعة الجرائد العجوز , حيّيتها كما أفعل صبيحة كل يوم : صباحك خير , مشهد غريب , ألديك تفسير ؟

 

لعلها شارفت على التسعين من عمرها , فقد غارت عينيها فلا يبدو منها إلاّ لمعان طفيف يأتي كل فترة , يُظهر للمارة أنها لا تزال تحيا بينهم , رمقتني بدورها , ارتعشت أجفانها الثقيلة قائلة : أدري أنك " زبون " قديم , قارئ نهم للأخبار , تعزل نفسك عن الجميع , لك عالم صنعته على عينك , فلما سؤالك ؟ كما أن الاجابة لن تشفي غليلك.!

 

= عافاك الله , كيف لا تنتفضين لرؤية غريب يحيط بك ؟ فبضاعتك المعرفة .. من هذا " الفارس "؟ منظره مألوف لديّ , لكنيّ لا أتذكره .. من ذاك المترصّد الكامن هناك ؟ كأني أعرفه جيداً , ألتقيه كل يوم , لكن عقلي توقف عن الوصول إلى اسمه .. ثم كيف يسيران بين الناس دون أن يلتفت إليهما أحد ؟! أداء تمثيلي رخيص لرواية عالمية مشهورة ؟! لعلها كذلك .

 

كنت أحدّثُ نفسي , أسترسل في تساؤلات و أطرح إجابات ,بينما يفتر ثغر المرأة عن ابتسامة ضئيلة , تغتصبها من بين براثن شيخوختها , كانت تُنصت بقلق , غير بعيد " الفارس " ينطلق في حركة دائرية يواصل غزواته , بينما أصابت الرقيب " حُمّى" , فغمره عرق شديد بعد أن فرغت صفحات دفتره الورقي الصغير ..