اغلق القائمة

السبت 2024-04-27

القاهره 02:16 م

جائزة كتاب العام

معارك الكتاب والناشرين فى الغرب.. المؤلفون لا يحصلون على الحد الأدنى

أ ش أ الإثنين، 02 يوليو 2018 11:40 ص

لعل مشهد الأديب الكبير وصاحب نوبل نجيب محفوظ يلوح الآن، ويسترجع كل المبدعين فى العالم نصيحة هذا المبدع المصرى العظيم وسط المعارك التى تحتدم بين المؤلفين والناشرين.
 
فنجيب محفوظ الذى رحل فى الثلاثين من أغسطس عام 2006 والحاضر دوما بإبداعاته كان لا يمل إسداء النصح لأى مبدع، وخاصة من الشباب بألا يغريه الأدب بترك عمله أو وظيفته الثابتة ويضرب المثل بنفسه، وهو الذى استمر فى وظيفته حتى الإحالة للمعاش مؤكدا أن "الكتابة الأدبية وحدها لا تكفى لعيش حياة كريمة".
 
وواقع الحال كما تفيد معطيات المشهد الثقافى العالمى يؤكد أن نصيحة المبدع النوبلى المصرى نجيب محفوظ تبقى مفيدة لكل المبدعين دون تمييز ما بين شرق وغرب، وها هم الكتاب الذين يوصفون فى الغرب بأنهم أصحاب أعلى مبيعات الكتب او "البيست سيلر" يتهمون الناشرين بأنهم لا يدفعون سوى "أقل القليل" للمؤلفين، فيما يطالب نجوم البيست سيلر وكتاب من المشاهير فى بريطانيا مثل فيليب بولمان وانطونى بيفور وسالى جاردنر "بتقاسم أكثر عدلا للأرباح بين الناشرين والكتاب".
 

دراسة تؤكد: المتفرغون للكتابة يعانون 

وجاءت هذه الدعوة بعدما أظهرت دراسة مسحية أن الكتاب الذين يكرسون وقتهم للكتابة دون أن ينخرطوا فى أى عمل آخر لا تصل دخولهم حتى إلى مستوى الحد الأدنى للأجور، وهو وضع يصفه الكاتب فيليب بولمان بأنه "يلحق أضرارا بالحالة الثقافية والإبداعية للأمة".

 
وهذه الدراسة المسحية التى شملت أكثر من 5500 كاتب محترف أظهرت "انخفاضا مأساويا فى عدد هؤلاء الكتاب الذين بمقدورهم العيش من ناتج عملهم فى الكتابة"، فيما دخلت الدراسة ضمن أحدث تقرير "لجمعية التراخيص والتحصيل للمؤلفين" فى بريطانيا.
 
وضمن المؤشرات الصادمة فى تلك الدراسة أن المتوسط العام لإيرادات الكتاب المحترفين فى بريطانيا انخفض بنسبة بلغت 42 فى المائة منذ عام 2005 وبات دون مبلغ العشرة آلاف وخمسمائة جنيه استرلينى سنويا، وهو ما لا يصل حتى للحد الأدنى للأجور فى هذا البلد والذى قدر سنويا ب 17 ألفا و900 جنيه إسترليني.
ورأى فيليب بولمان وانطونى بيفور وسالى جاردنر أن هذا الوضع يهدد فى الصميم المشهد الثقافى البريطانى وتنوع وجودة الكتابات الإبداعية الأدبية، فيما أنحوا باللائمة على الناشرين، سواء كانوا من ناشرى الكتب الورقية أو الرقمية، معتبرين أنهم يبخلون على مؤلفى الكتب بجزء من أرباحهم التى تتزايد بصورة كبيرة مقابل تزايد بؤس المؤلفين ويصف بولمان الوضع ككل بكلمة "الاستغلال".
ويقول فيليب بولمان مؤلف "سلسلة المواد القاتمة" التى دخلت قوائم أعلى مبيعات الكتب فى بريطانيا والغرب إن الناشرين يتعاملون بصورة سيئة مع المؤلفين ويوغل فى هجومه حتى أنه اعتبر بعض هؤلاء الناشرين "فاقدين للضمير كما يفتقرون للوعى الكافى بأن ممارساتهم يمكن أن تدمر مستقبل صناعة الكتاب ككل ناهيك عن بيئة الكتابة والإبداع".
 
كما تظهر الدراسة المسحية تمييزا نوعيا لصالح الذكور على حساب الإناث، حيث أوضحت الأرقام أن الكاتبة تحصل على ما لا يزيد عن نسبة قدرها 75 فى المائة من مجموع الإيرادات التى تدخل لنظيرها الكاتب وهو وضع يتفاقم فى السنوات الأخيرة على وجه الخصوص.
 

أماندا كريج: أشعر بالسخط 

ومن هنا تبدى القاصة والصحفية البريطانية اماندا كريج شعورا بالسخط حيال هذا التمييز من جانب الناشرين بين الكتاب الذكور والإناث فيما تلفت مؤلفة "الأكذوبة فى الأرض" إلى أن المبدعات يكفيهن متاعب تربية الأبناء وتدبير شؤون بيوتهن ومن ثم فأى كاتبة ليست بحاجة لمزيد من المتاعب من جانب الناشرين.

 
أما الكاتب انطونى بيفور وصاحب كتاب "ستالينجراد" الذى دخل بدوره فى قوائم البيست سيلر فيلفت إلى أن الكاتب فى العصر الحالى بحاجة للبحث وهى مهمة تتطلب توافر المال وليس العكس، كما يفعل الناشرون الآن عندما لا يمنحون سوى أقل القليل للمؤلفين.
 
وتنعى كاتبة الأطفال البريطانية سالى جاردنر والتى دخلت قصصها قوائم أفضل مبيعات الكتب الوضع الحالى للمؤلفين، معتبرة أن الوضع منذ سنوات بعيدة خلت كان أفضل بكثير من المشهد الحالى حتى أنها تتحدث بحسرة على "الأيام الخوالى التى مضت وكانت تعيش فيها بصورة جيدة بفضل ما تتقاضاه مقابل ما تكتبه".
 
وترى سالى جاردنر أن النهج الحالى للناشرين حيال المؤلفين "يقوض قدراتهم على التحليق بالأفكار والكتابة فى قضايا هامة كما أن غياب الدعم المالى يفضى لتغييب المواهب الشابة وإبعادها عن ساحة الكتابة والإبداع". 
 
وفى رد فعل يشير لوضع قابل للانفجار وتبادل الضربات والاتهامات بين المؤلفين والناشرين انتهج اتحاد الناشرين فى بريطانيا "أسلوب التشكيك"، وذهب إلى أن الأرقام الواردة فى هذه الدراسة والتى تكشف عن انخفاض مريع فى دخول الكتاب "لا يمكن التحقق من صحتها". 
 
وحسب الرئيس التنفيذى لجمعية المؤلفين فى بريطانيا نيكولا سولومون فإن مؤلفى الكتب لا يحصلون سوى على نسبة قدرها 3 فى المائة من مجموع مبيعات الناشرين لتلك الكتب مستندة فى ذلك لإحصاءات وأرقام معلنة فى عام 2016 بشأن أرباح الناشرين.
 
وقالت نيكولا سولومون إن ما يثير القلق والجزع فى نفوس الكتاب انه فى هذه الفترة الزمنية التى تتدنى فيها دخول المؤلفين نشهد ارتفاعا فلكيا فى مبيعات الناشرين الكبار وهو تصريح أثار المزيد من غضب الرئيس التنفيذى لاتحاد الناشرين فى بريطانيا ستيفن لوتينجا ليقول فى المقابل إن تلك الأرقام غير المعترف بها من جانب الناشرين لا تعكس حجم استثماراتهم فى صنع مواهب إبداعية.
 
غير أن لوتينجا استدرك ليقول بمفردات لغة أكثر هدوءا :"إن أردنا الدخول بصدق فى حوار بناء حول هذه القضية فنحن بحاجة لقاعدة أكثر موثوقية لنستدل بها" فيما أكد مجددا أن "الناشرين يثمنون المؤلفين عاليا وصناعتهم ككل تعتمد على دعمهم للكتاب".
 
وفى المقابل ردت نيكولا سولومون لتقول فى رسالة مفتوحة لستيفن لوتينجا نشرتها الصحافة الثقافية البريطانية لتؤكد بدورها على سلامة وصحة الأرقام والبيانات الواردة فى الدراسة المسحية التى أجرتها "جمعية التراخيص والتحصيل للمؤلفين فى بريطانيا" والتى "تعبر عن معطيات مشهد عالمى وحالة تتكرر فى بلدان شتى حول العالم" واتفقت مع الرئيس التنفيذى لهذه الجمعية اوين اتكينسون فى مطالبة الناشرين "بنشر حساباتهم بصورة مفصلة توضح ما دفعوه للمؤلفين والمترجمين ورسامى الكتب".
 
وواقع الحال أن الأرقام المعلنة لعام 2016- حسب دانوتا كين فى جريدة الجارديان- تكشف عن زيادة نسبتها 7 فى المائة لمجموع مبيعات الناشرين فى بريطانيا وهو الاتجاه التصاعدى الذى استمر أيضا فى عام 2017 أما المبيعات لعملاق متخصص فى الكتب الرقمية على مستوى العالم أى الكيان الشهير "امازون" فقد زادت بصورة مثيرة للدهشة من 8,49 مليار دولار أمريكى فى عام 2005 لتصل الآن الى 177,87 مليار دولار امريكي.
 
ومع أن كاتبة قصص الأطفال الشهيرة سالى جاردنر ترى أن الناشرين لا يهتمون على صعيد المسائل المالية سوى بمشاهير الكتاب فهى نفسها ككاتبة دخلت قوائم أفضل مبيعات الكتب تعانى مثل غيرها من المشاهير مما يوصف بسوء التقدير المالى من جانب الناشرين.
 
ويقول كاتب آخر للأطفال فى بريطانيا وهو تونى برادمان إن "ممارسات الناشرين الآن حيال المؤلفين ستكون لها عواقب طويلة الأمد على المشهد الإبداعى والثقافى فى البلاد" معتبرا أن "رؤيتهم قصيرة النظر". 
 
ورأت اليسون فلود وهى صوت بارز فى الصحافة الثقافية البريطانية وإسهامات مميزة فى جريدة الجارديان أن هناك من الأدلة والشواهد مايكفى بالفعل للقول بثقة بأن دخول المؤلفين تتراجع بصورة خطيرة فيما تتزايد مكاسب وارباح الناشرين مستندة لدراسات وتقارير منشورة وبعضها لاتحاد الناشرين تتفق على أن أرباح الناشرين تدور حول نسبة الـ 13 فى المائة.
 
وكما ذهبت نيكولا سولومون واوين اتكينسون فإن الرئيس التنفيذى لاتحاد الناشرين فى بريطانيا ستيفن لوتينجا لا يمكنه الطعن فى صحة أرقام تؤكد أن المساهمين فى دور النشر الكبرى ببريطانيا تقاضوا أموالا تزيد بثلاثة أضعاف ما تقاضاه مؤلفو الكتب.
 
ولا مانع بالطبع كما تقول نيكولا سولومون من أن تتعاظم أرباح المساهمين فى دور النشر شريطة ضمان دخول معقولة ومناسبة للكتاب والمؤلفين حتى لا يتراجع مستوى إنتاجهم مع تراجع مستوى حياتهم وظروف معيشتهم بما يؤثر سلبا على صناعة الكتاب ككل.
 
وهكذا تدعو الرئيس التنفيذى لجمعية المؤلفين فى بريطانيا نيكولا سولومون اتحاد الناشرين للعمل مع الجمعية من أجل دراسة أسباب التراجع فى دخول المؤلفين و"ضمان تقاسم عادل للأرباح" وهى مسألة لا غنى عنها لتشجيع المواهب على الانخراط فى إبداعات الكتابة وتوسيع قاعدة القراء "وبالتالى زيادة نصيب كل طرف فى الكعكة".
 
وإذا كانت نيكولا سولومون مازالت فى انتظار رد اتحاد الناشرين فى بريطانيا على دعوتها ومازالت تنتظر حلا فإن النصح الذى أسداه النوبلى المصرى نجيب محفوظ لكل مبدع قد يكون هو الحل وسط هذا المشهد الموجع: "إياك أن يغريك الأدب بترك عملك فالأدب وحده لا يكفى دخله لتعيش حياة كريمة"!