اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-05-07

القاهره 05:06 ص

الكاتب الصحفى خالد صلاح

خالد صلاح يكتب: هل قدمت بلاغا للنائب العام اليوم؟

الإثنين، 11 يونيو 2018 10:00 ص

 
تبقى واحدة من أخطر الأزمات التى تواجه منظومة العدالة فى مصر، هى فى الطريقة التى نبتذل بها أحيانا هذه المنظومة بالكامل.
 
المصريون يلجأون للقضاء، ثقة فى العدالة ونيل الحقوق، لكن تراكم البلاغات والقضايا فى المحاكم يبلغ حدا مخيفا تنوء عن حمله قاعات المحاكم، وتعجز عن التصدى له البنية التحتية لمؤسسات القضاء بالكامل، ويفوق الطاقة الكلية لعدد جميع أعضاء الهيئات القضائية والنيابات العامة.
 
أضف إلى ذلك أن بعضا من المواطنين، وفئة من المحامين يدمنون تقديم البلاغات للنائب العام ضد كل ما يعكر مزاجهم صباح كل يوم «خبر فى صحيفة، تصريح لمحافظ، مشكلة مع جيرانه، لقطة فى مسلسل، مشهد من فيلم».
 
كل هذه الأشياء العادية تتحول «بقدرة قادر» إلى بلاغات فى النيابة العامة، وتطبق النيابة كل القواعد القانونية على هذه البلاغات، التزاما بالقانون وانحيازا للعدل وحتى تكون عند حسن ظن كل من يلجأ إليها، لكن فى الوقت نفسه تشغل هذه البلاغات مساحات واسعة من الوقت والجهد لدى مكاتب التحقيق، الأمر الذى يضاعف من تعقيدات الأزمة داخل أروقة مؤسسة القضاء.
 
الحل السريع هنا هو أن تتوقف مظاهر ابتذال منظومة العدالة، عبر إجراءات لوقف هؤلاء الذين يقدمون البلاغات بلا حساب أو يحركون الدعاوى القضائية المدنية سداحا مداحا بلا رقيب ودون أن يسددوا فاتورة هذا الإهلاك والإنهاك لمنظومة القضاء فى البلاد.
 
وأتصور أنه يمكن فرض رسوم إضافية على البلاغات المقدمة للنيابة العامة فى بعض الملفات والقضايا الشكلية، كهؤلاء الذين يقدمون بلاغات فى مسلسلات رمضان مثلا، ويفضلون مكتب النائب العام عن المجلس الأعلى للإعلام، تعرف أنت أن المسار الطبيعى هنا أن تذهب الشكاوى إلى المجلس الأعلى للإعلام بدلا من اللجوء للنائب العام شخصيا ولأجهزة النيابة التى تتصدى لقضايا أكثر أهمية وأعظم نفعا للعدل وللبلد.
 
ويمكن فرض رسوم مرتفعة أيضا على هؤلاء الذين يتعاملون مع بلاغات النيابة العامة كوسيلة للشهرة من خلال تقديم بلاغات لا معنى لها بالتحقيق فى قضايا ثقافية، وإعلامية، ويعتمدون على أساطير وخرافات فى صياغة هذه البلاغات، والنتيجة تنتهى بالحفظ غالبا، لكن النيابة تبذل كل الجهد مع كل بلاغ اتساقا مع ما تؤمن به من قيم وما تتبعه من نصوص القانون.
 
يجب أن نمنع هذا النوع من البلاغات من أن يكون عصا تعطل عجلة العدالة، على الأقل يجب أن نتأكد من جدية مقدم البلاغ، عبر رفع الرسوم المقررة على قضايا بعينها، فإذا كان المبلغ جادا وصادقا مع نفسه فسيقوم بسداد الرسوم فورا، أما إذا كان المبلغ من النوع المبتذل الذى يدمن تعطيل المراكب السائرة، وشغل رجال العدالة بالتفاهات، فلن يجرؤ على تقديم البلاغ إذا اضطر لأن يسدد قيمة مالية محددة للتأكد من الجدية.
 
أما الحل الشامل والجامع والمانع..
 
هو أن نعيد النظر فى التشريعات المتعلقة بالتقاضى بالكامل، بحيث نضمن قيام الأطراف المتخاصمة باللجوء إلى حلول أخرى تحكيمية قبل الوصول إلى ساحة المحكمة، بعض البلدان لا تسمح مثلا لقضايا الأسرة والمواريث والخلافات الزوجية وقضايا الحضانة وكثير من القضايا المدنية بالوصول من الأساس إلى المحكمة، وتعمل مكاتب تابعة لوزارة العدل والهيئات الحكومية على حل هذه المشكلات بالتسوية والتصالح والتحكيم دون أن تشغل القضاء بمشكلات يمكن حلها على المقهى.
 
العدالة هى أساس الحكم والملك، وحماية منظومة العدالة من تعقيداتها الطويلة هى واحدة من أهم الخطوات التى يجب أن نفكر فيها الآن وبعمق، وحمايتها من صور الابتذال هى خطوة أولى ضرورية على الطريق، لكنها الخطوة الأهم التى ستوفر صداعا فى رأس جهات التحقيق، ووقتا طويلا ضائعا فى ساحات المحاكم، لفئة تعرف أنها تحصل على خدمات مجانية للشهرة والتشهير.
 
والله أعلى وأعلم.
 
 مصر من وراء القصد