اغلق القائمة

السبت 2024-04-27

القاهره 06:54 م

سليمان شفيق

حمدى الأسيوطى فقيه من زمن العدل

بقلم سليمان شفيق الخميس، 05 أبريل 2018 08:00 م

من عمق النهر الذى يروينا، وننسى عذوبته، جاءت عائلة حمدى الأسيوطى إلى إمبابة عبر النهر، طلبا لبركة الشيخ «الإمبابى»، وكعادة الصعايدة يلجأون إلى من لهم من أهل وتراث التصدى للمحتلين خاصة الحملة الفرنسية فى 21 يوليو 1798 وأرغموا نابليون بونابرت على التراجع، ومن هذا التاريخ تمحورت شخصية حمدى، تجمع ما بين الصوفية والبطولة، وجدل العلاقة بين العدل والقوة، وأدرك أن الحق لا يتأتى إلا بالعدل، وأتذكر كيف اختار حمدى كلية الحقوق بحثا عن العدالة الإنسانية على غرار أساتذة اليسار فى زمن الحريات «المجانية» غير الممولة، فكان خير خلف لخير سلف، وتوارث تقاليد عظيمة.. من نبيل الهلالى وذكى مراد وعبدالله الزغبى وحكيم ينى وحسين عبد ربة وآخرين.
 
رضع حمدى من صدر اليسار حليب الإنسانية الوطنية، ونما خادم العدالة للفقراء فكان أمين المهنيين بحزب التجمع، يعطى بمجانية، ولا يسأل المظلوم عن اتجاهه ولا عن الأتعاب، ورأيت حمدى بأم عينى يدفع كل ما يملك من أجل السفر للدفاع عن من يختلف معهم سياسيا أو يختلفون معة فى الدين، وحينما رقد الفارس التف حولة الفقراء والزاهدين والنبلاء، فكتب: «وتبقى دائما محبة وإخلاصا وشهامة محامى إمبابة عنوانا لشهامتهم تحياتى للجميع»، ولكن كما أقبل المخلصون، تناساه من دافع عنهم قبل أن يستظلوا بالنفوذ ويكنزوا ملايين التمويل، أو بعض من أصبحوا من بارونات حقوقية لذلك هزنى بشدة ما كتبه على الفيس وهو يتألم من نكران الجميل أكثر من ألم المرض، وكلها موثقة.
 
لم يكن حمدى من القضاء الواقف بل من الناطقين بالعدل، وقدم دراسات حقيقية مثل: «كتابات قانونية حول حرية الرأى والتعبير2007، ويتناول بالبحث والتفصيل المواد القانونية التى تستخدم لإدانة أصحاب الرأى، كذلك تضمن الكتاب فصلا جديدا فى الفقه القانونى حول استخدام الهواتف المحمولة والاتهامات التى توجه من خلالها ولاستخدام الإنترنت، وقدم الأحكام الخالدة حول حرية الرأى والتعبير».
 
فى 2013 وردا على الهجمة الإخوانية على المنتقدين للجاسوس مرسى، قدم حمدى الأسيوطى كتاب: «إهانة الرئيس» قدم فيه تعريفا لجريمة إهانة الرئيس، والمواد والعقوبات التى كانت تستخدم تاريخيا لتصفية المعارضة السياسية.
 
أما الدراسة الفقهية الأخيرة قدمها فى كتاب: «ازدراء الأديان»، وقال عنه: «هناك بعض النصوص فى قانون ازدراء الأديان غير دستورية، وتطبق وتفسر بشكل خاطئ، لإغفال أسباب تشريعها، وأصبحت مقيدة لحرية الرأى والتعبير، وبناء عليه صدرت أحكام بالحبس لكثيرين، حيث إن «المشكلة فى تطبيق النص القانونى بالمادة 98 الفقرة «و»، لأن مَن يطبقونه، يغفل عنهم قراءة أسباب هذا التشريع، ووضع تلك الفقرة، فهذه المادة المرتبطة بازدراء الأديان وُضِعت فى إبريل عام 1982 والمقصود بها، فى المذكرة الإيضاحية لها هو «الحد من استخدام المنابر من قِبل الأصوليين ونقدهم وادعائهم على الأقباط مما كان يؤدى لفتن طائفية بين المسلمين والمسيحيين»، ونصت أيضا على: «لكى تطبق هذه المادة لابد من حدوث فتنة طائفية، مثل فتنة الزاوية الحمراء فى منتصف السبعينيات».
 
«هذه المادة تطبق وتفسر بشكل خاطئ، فاستخدام النص فى غير محله، فلم يوضع لحماية الدين بل لمنع الفتنة الطائفية، ومنع استغلال الدين فى إحداث الفتنة الطائفية، ولكن منذ فترة التسعينيات، تم استخدامها ضد المفكرين والمثقفين، فتم حبس الكاتب علاء حامد لروايته «مسافة فى عقل رجل»، سبعة سنوات منهم 5 سنوات ازدراء أديان، و3 لعدم مراعاة الآداب العامة، فقد سمح السادات ومبارك بذلك ضد المبدعين والمفكرين، خاصة بعد فتوى طارق البشرى التى قال فيها من حق الأزهر مراقبة الأعمال الفنية والأدبية».
 
وتضمنت الدراسة إحصائية: «يوجد فى مصر من 12-13 قضية ازدراء أديان سنويا، ويتم فيها أحكام من 3-5 سنوات حبس، وهناك ازدواجية فى تطبيق القانون، فهو لحماية الدين الإسلامى دون باقى الديانات، إلا فى حالة واحدة وهى «أبوإسلام» و«فى عهد الإخوان كانت هناك خطورة بالغة بعد رغبتهم فى تعديل نص فى الدستور فى المادة 219، وكانوا يريدون توصيل العقوبة لـ15 عاما، وأدخلوا تهمة جديدة، وهى العيب فى الذات الإلهية، وسب الصحابة، واقترح الأسيوطى المقترحات الآتية:
 
 
- أن يتقدم أحد أعضاء مجلس النواب باقتراح تعديل نصوص المواد 98 فقرة ووالمادة 160 و161 من قانون العقوبات والمسماة بجرائم الاعتداء على الأديان، ليتم تعديلهم بإلغاء عقوبة الحبس المنصوص عليها فى المواد المذكورة والاكتفاء بعقوبة الغرامة.
 
- تعديل نص المادة رقم 232 من قانون الإجراءات الجنائية وإضافة فقرة بضرورة أن يسدد المدعى بالحقوق المدنية - الادعاء المباشر - ضمانا ماليا وقدره 1000جنيه فى جرائم النشر والصحافة والإعلام تصادر عن خسارة الدعوى.
 
هذا قليل من كثير عن الفقيه الفارس، الأمر الذى يتطلب من محبيه تأسيس مؤسسة لجمع أعماله ومرافعاته ومحاضراته وطبعها، وعمل جائزة سنوية باسمه، ولكن كل ما أخشاه أن يتم نسيانه بعد رحيله مثلما تم تركه يصارع المرض بمفرده، ولكن الفقيه الفارس سيظل باقيا فى وطنه وحزبه وتلاميذه وضمير المظلومين الذين انتصر لهم بالحق والحرية، عزائى للابن حسام والأسرة.