اغلق القائمة

الأحد 2024-04-28

القاهره 09:47 ص

د. سالم الكتبى

هل نجح ترامب؟

د. سالم الكتبى الجمعة، 27 أبريل 2018 11:00 ص

التساؤل عن نجاح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هنا لا يتعلق بمهامه الرئاسية بشكل عام، لكن بإدارة ملف الأزمة مع كوريا الشمالي ، فالتقارير الإخبارية حملت مؤخراً أنباء على إعلان الرئيس كيم جونج أون وقف الاختبارات النووية والصاروخية، بحسب ما نقلت الصحف عن وسائل إعلام كورية شمالية لا تنطق سوى بما يشير به الزعيم   !

 

ورد فى هذه التقارير الإعلامية أيضاً أن الزعيم الكورى الشمالى قد أعلن عن إغلاق موقع للتجارب النووية.

 

الرئيس ترامب استقبل الأخبار بتغريدة قال فيها إنها "أخبار جيدة جداً"، وهى بالتأكيد كذلك، لأنها تمثل تطوراً فى غاية الأهمية فى واحدة من الأزمات التى كدت تؤدى إلى صراع كونى منذ أشهر قلائل مضت حين حبس العالم أنفاسه على وقع تهديدات متبادلة بين الرئيسين كيم وترامب، تباهى فيها كل منهما بما يمتلك من صواريخ عابرة للقارات وأسلحة مدمرة.

 

إعلان الزعيم الكورى الشمالى لا تقتصر أهميته على وقف التجارب النووية والصاروخية، التى قال إن بلاده لم تعد بحاجة إليها، ولكنه أعلن أيضا وبشكل رسمى أن كوريا الشمالية "استكملت بالفعل تسليح نفسها بالأسلحة النووية".

 

لم تهتم وسائل الاعلام العالمية بهذه الجزئية فى تصريحات الزعيم الكورى الشمالى، ربما لأن الشكوك كانت تحيط بقدرات كوريا الشمالية منذ سنوات طويلة، وأن هناك تقارير مؤكدة تؤكد امتلاكها سلاحاً نووياً، ولكن اللافت فى هذه التصريحات أنها تمثل اعترافاً رسمياً غير مسبوق بامتلاك السلاح النووى، ما يعنى أننا امام عضو جديد غير رسمى فى النادى النووى!

 

السؤال الذى يطرح نفسه هنا هو: هل أسهم تأكد الولايات المتحدة من امتلاك كوريا الشمالية قدرات نووية فى الإسراع بالتفاهم والحوار المباشر وغير المباشر؟ الإجابة هى نعم بالتأكيد، فمنذ الرسالة التى نقلتها كوريا الشمالية إلى الجانب الأمريكى عبر قنوات روسية خلال شهر أكتوبر الماضى، ومفادها أن كوريا الشمالية لن تتوانى عن استخدام السلاح النووى فى أى صراع بين الدولتين، والأمور تتطور بشكل متسارع تلعب فيه هذه المعلومة دوراً مهماً، بل هى المحرك الأساسى له سواء على الجانب الأمريكى أو من جانب كوريا الجنوبية التى قامت بتنشيط وساطتها ولعبت دوراً فى غاية الأهمية فى اقناع الولايات المتحدة بضرورة الحوار مع كوريا الشمالية.

 

لعب إذن عنصر الردع فى هذه المعادلة دوراً حيوياً، وأعاد السلاح النووى فرض هيبته كعامل ردع فى توازنات القوى الدولية الكبرى، وهو درس لن يمر مرور الكرام على دول أخرى مثل إيران وغيرها، لاسيما أن الملالى يتابعون جيداً "الحالة الكورية الشمالية" ويستنسخون الكثير من تكتيكاتها فى التعامل مع الولايات المتحدة.

 

ستعقد ـ على الأرجح ـ القمة المرتقبة بين الرئيسين ترامب وكيم، وسيكون فيها ما يمكن لكلاهما تسويقه لدى الداخل، فترامب سيكون لديه الفرصة للادعاء بتحقيق انتصار سياسى تاريخى واختراق غير مسبوق فشلت فى تحقيقه إدارات أمريكية سابقة، وهذا صحيح ولكن المخفى هذا الأمر أن هذا الاختراق قد تحقق فى ظل امتلاك كوريا الشمالية سلاحاً نووياً مؤكداً، اما الزعيم الكورى الشمالى فهو وإن كان لا يحتاج بالمرة إلى مبررات لتفسير قرار الحوار والتفاهم مع الولايات المتحدة بحكم طبيعة دولته ونظام حكمه ، فإن وسائل إعلامه سيكون لديها أيضاً ما تفخر به فى هذا الحوار، حيث توقفت تجاربها الصاروخية بعد الإعلان فى شهر نوفمبر الماضى إنها نجحت فى اختبار نوع جديد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات قادرة على الوصول إلى كل أراضى الولايات المتحدة.

 

لقد وفر الزعيم الكورى الشمالى فرص نجاح لقمته مع ترامب قبل انعقادها بوقت كاف، والتقط الرسالة التى قال فيها ترامب إنه إذا تكن محادثاته المقررة مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ-أون مثمرة فإنه سينسحب منها، فرغم صغر سنه، لكنه يبدو على درجة كافية من الخبرة والنضج السياسي، حيث يبدو متفهماً لطبيعة الرئيس الأمريكى فأعطاه "صيداً ثميناً" يجعله حريصاً على عقد القمة، وما سيتلوها من تخفيف متوقع للحصار الدولى المفروض على كوريا الشمالية. الواضح أن زيارة مايك بومبيو مدير وكالة الاستخبارات المركزية السرية إلى بيونغيانغ، واجتماعه مع كيم، الذى وصفه بومبيو بأنه كان "اجتماع سلس جداً" وتأسيس ما وصفه بـ "علاقة جيدة" مع رجل كوريا الشمالية الغامض، قد لعب دوراً حيوياً فى هذا التطور المفاجئ، الذى تنتظر بيونج يانج من ورائه ما وصفه ترامب ذاته بأنه "مسار براق".

 

هى مباراة دبلوماسية شيقة بالتأكيد، يتابعها العالم أجمع، وعلينا فى المنطقة العربية ان نستخلص الدروس المستفادة منها، وفى مقدمتها أن توظيف الرادع الصاروخى والنووى فى العلاقات الدولية سيغرى إيران بتكرار التجربة، والسعى للافلات من عنق الزجاجة النووى والصاروخى وامتلاك قدرات تدفع الغرب للتعامل معها بندية، وهذا الدرس سيكون حاضراً لدى آخرين فى مقدمتهم إسرائيل، التى لن تصبر على الأرجح حتى تنفذ إيران استراتيجيتها فى امتلاك قدرات نووية وصاروخية تستكمل بها احلامها التوسعية.