اغلق القائمة

الأربعاء 2024-05-08

القاهره 12:43 ص

الكاتب الصحفى خالد صلاح

خالد صلاح يكتب: جغرافيا الدولة فى السنوات الأربع المقبلة

الخميس، 29 مارس 2018 12:00 م

 
 
السنوات الأربع المقبلة تختلف جذرياً عن السنوات الأربع الماضية، قانونيا، وبرلمانيا، وسياسيا، وجغرافيا، واقتصاديا، واسمح لى ببعض الإشارات السريعة: 
 
أولا قانونيا، إذ إن الفوضى التشريعية التى بدأنا بها السنوات الأربع الماضية لن تتكرر فى الأعوام الأربعة المقبلة، مصر دخلت الولاية الرئاسية الأولى للرئيس السيسى وهى تتعثر قانونيا، وتلملم أشلاءها التشريعية من خلال جهد خارق بذله البرلمان بمعاونة العقول التشريعية فى الدولة، أما الآن فإن مصر أكثر استقرارا من الناحية القانونية، وأكثر وضوحا فى احتياجاتها التشريعية، ومن ثم فإن الأساس الذى تعمل من خلاله الدولة المصرية فى المرحلة المقبلة أعظم صلابة وأكثر رسوخا من أوضاعنا فى المرحلة الأولى. 
 
ثانيا برلمانيا، فهذا البرلمان الذى بذل جهدا كبيرا فى البنية التحتية التشريعية فى البلاد، أصبح اليوم أكثر ثقة فى بنيانه المؤسسى، وأكثر خبرة فى التعامل مع الملفات القانونية، أو الشعبية، وأكثر إدراكا لمهامه الدستورية، كما أن النواب اختبروا الدولة فى مناسبات متعددة، واختبروا الإعلام، واختبروا المنظومة القضائية وعلاقتها بالبرلمان، خاصة فى واقعة تيران وصنافير، ويعرف المجلس كمؤسسة، ويعرف النواب كأفراد، الأفق الذى يعملون فى رحابه، كما يعرف كل منهم الآخر على نحو أشمل، ومن ثم فإن البرلمان مرشح ليكون أبرز علامات استقرار السنوات المقبلة، ومرشح كذلك لإعادة تشكيل نفسه وفق جغرافيا حزبية جديدة قد يكون مركزها حزبا قويا ومن حوله أحزاب أخرى منافسة، أو يفرز البرلمان أكثر من قوة حزبية تستطيع العمل فى الشارع، وتكوين تيار سياسى مستمر ومحترف فى البلاد. 
 
ثالثا سياسيا، مصر بالتأكيد على أعتاب جغرافيا حزبية جديدة وفق ما أشرنا إليه فى البرلمان، وهذه الجغرافيا الحزبية أمامها بيئة تشريعية جاهزة، وشعب يتضاعف لديه الوعى السياسى والوطنى، وقوى شبابية جاهزة للعطاء، سواء من الشباب الذين يشاركون الآن فى العمل الحزبى، أو من الشباب الذين باتوا يدركون أن الفرص متاحة أمامهم للعمل والمنافسة وقيادة البلاد، فما جرى من الناحية القانونية والبرلمانية، وما تأسس من قوانين وتشريعات يسمح لإطلاق طاقات سياسية جديدة مع انتخابات المحليات، أو مع الانتخابات البرلمانية المرتقبة، أو مع توسيع الدور الذى تلعبه الأحزاب فى العمل العام فى البلاد، مصر عاشت لعقود طويلة رهينة بحزب واحد يحكم، أو جماعة واحدة تحشد وتعاند، ثم تقتل وتفسد، لكن مصر الآن لا تعرف الحزب الواحد، ولفظت جماعة الواحد، ولم يعد فيها رئيس يدعم حزبا سياسيا، أو مرشدا يدعم جماعة دينية، مصر سياسيا تختلف، ظهر اختلافها فى السنوات الأربع الماضية، ويتأكد ويتجذر هذا الاختلاف فى السنوات الأربع المقبلة، مما يمنحنا فرصة إقامة حياة سياسية مختلفة تماما، يقظة وحيوية ووطنية وبلا مصالح وأهواء خاصة وأيديولوجيات خاصة. 
رابعا جغرافيا، وأنوه إلى أننى استخدمت كلمة الجغرافيا مرات متعددة هنا من قبل إذ أؤمن بحسم أن الجغرافيا المصرية تتغير، تشريعيا وبرلمانيا وسياسيا، لكن هذه النقطة أعنى بها الجغرافيا بمعناها الفعلى وليس بمعناها الاصطلاحى، إذ إن جغرافيا مصر تتغير بالفعل، فالآن مثلا فرص العمل ليست قاصرة على الأرض فى مصر، فالبحر أيضا تفتحت فيه فرص العمل، سواء من خلال الاكتشافات الجديدة لحقول الغاز، أو من خلال عمليات التأمين لحدود مصر البحرية، وكلاهما، الثروات والتأمين يفتحان الباب لفرص عمل جديدة، فالجغرافيا شملت البحر كذلك، كما أن الجغرافيا تتغير بحرا أيضا، إذ تشهد منطقة الساحل الشمالى تطورات متعددة تتأسس من خلالها مدن جديدة مثل مدينة العلمين، أو الاستثمارات النووية فى الضبعة، ومنطقة القناة تتبلور فيها ملامح الإقليم الاقتصادى المتطور، ومنطقة شمال سيناء ستدخل إلى حيز الخدمة جغرافيا وتنمويا فى السنوات الأربع المقبلة كذلك، جغرافيا البلاد تتغير بقوة، وتتغير معها الديموجرافيا، وتوزيع الناس على المناطق، وتتغير معها الفرص، وتتغير معها توزيعات الاستثمار، وكل ذلك ينعكس قوة على البلاد، كما ينعكس أيضا على السياسة والعمل العام وترسيخ الأمن فى مصر، مصر عاشت على استثمارات قاهرية، أو فى مدن صناعية مربوطة بالقاهرة، فى الماضى أما الآن فإن السنوات الأربع المقبلة تتبدل فيها جغرافيا الفرص تختلف بين البحر والساحل والصحراء والقناة والصعيد. 
 
جغرافيا جديدة، لبلد قدره تعديل مسارات التاريخ. 
 هكذا أرانا.. وتبقى مصر من وراء القصد