اغلق القائمة

الأحد 2024-05-05

القاهره 03:31 م

الكاتب الصحفى خالد صلاح

خالد صلاح يكتب : صباح الخير يا مدارس دمشق

الثلاثاء، 20 فبراير 2018 12:00 م

 
الآن يسمع أطفال دمشق صوت «جرس الفسحة»، بعد أن كانوا لا يسمعون سوى صوت الانفجارات، أتابع منذ أيام على المواقع السورية عودة الحياة لعدد كبير من المدارس فى العاصمة السورية، أسجد لله شاكرًا وداعيًا أن يُنعم، جل فى علاه، على الشعب السورى بالأمن والحياة، وأضع قبلة على رأس كل طفل سورى عاش هذه المرارة القاسية، وسحقت براءته سنوات الحرب. أطفال سوريا ليسوا كغيرهم من أطفال البلدان العربية التى اجتاحتها ثورات ما يسمى بالربيع العربى، أطفال سوريا هم الدرس الأهم فى تقديرى، إذ إن بلادهم شهدت ما لم يشهده بلد آخر من أهوال ونزاعات أهلية مسلحة وتدخلات عسكرية أجنبية واسعة، وأطفال سوريا شهدوا ما لم يشهده بلد آخر من نزوح بمئات الآلاف، ومن غرق فى قوارب الهجرة على شواطئ أوروبا، ومن تدمير كامل للبنية التحتية لبلادهم شمالاً وجنوبًا، شرقًا وغربًا. 
 
جرس المدرسة إذ يبدأ فى دمشق، فإن هؤلاء الأطفال لا يذهبون فقط للعلم والمعرفة، ولكنهم يذهبون أيضًا ليُعلّموا العالم دروسًا أخرى بتجاربهم المؤلمة، فأطفال سوريا شهود على حقبة شديدة الخطورة وعميقة الدلالات لتأثير الشعارات المزيفة على تدمير الأمم والثروات والشعوب، أطفال سوريا علمونا أن البلدان الأقوى، التى كانت تحرض السوريين على الحرب باسم الحرية، هى البلدان التى تركت القوارب تغرق فى عرض البحر، وحرقت المخيمات وأهانت اللاجئين فى المعسكرات الباردة على الحدود، وأطفال سوريا علمونا أن الحرب يمكن أن تصنعها أيادٍ خارجية لتستغل الأراضى العربية فى صراعات بالوكالة، وأطفال سوريا يعلمون العالم، اليوم، أنه مهما طالت الحروب والصراعات الأهلية المسلحة، فإنه لا منتصر ولا مهزوم، فالكل مهزوم والوطن مهزوم، والمستقبل غامض. 
 
صباح الخير يا مدارس دمشق.. 
هل حضر معلمو اللغة الإنجليزية أم أن بعضهم مات فى حلب؟ 
من منكم يحفظ سورة «الإخلاص»؟ اقرأوها كما تشاؤون، فالقرآن لا يعرف المذاهب.. 
صباح الخير يا أطفال سوريا الحبيبة.. 
ماذا كتبتم على سبورة الفصل.. زرع وحصد.. أم قتل وحارب؟ 
صباح الخير يا مدارس دمشق.. هذا هو الدرس الأول.. 
تعلموا اليوم أن ثروتكم فى وحدتكم.. وأن الذين رفعوا شعار أنه لا حل إلا بالحرب هم من ذهبوا للتفاوض فى آستانة وجنيف وسوتشى، وتعلموا أن الذين تاجروا بكم باسم الحرية والديمقراطية، أو باسم المذاهب والأديان، أو باسم الاستقلال والكرامة الوطنية، تركوا مدارسكم بلا زجاج للنوافذ يحمى الفصل من برد الشتاء، بينما خزائنهم دافئة فى قطر وتركيا وباريس ونيويورك. 
صباح الخير على من علمونا درسًا كبيرًا، وندعوهم أن يتعلموا هذا الدرس أيضًا.