اغلق القائمة

الأربعاء 2024-05-08

القاهره 03:52 م

وائل السمرى

هل يصلح رجال الدين لتجديد الخطاب الدينى؟

الإثنين، 26 نوفمبر 2018 03:00 م

لا يختلف اثنان على أن فكرة تجديد الخطاب الدينى أصبحت على رأس أولويات الحياة المعاصرة، وفى كثير من المقالات السابقة أكدت أن فكرة تجديد الخطاب فى حد ذاتها ليست هى الأساس فيما نرجوه من تقدم وتحرير وتنوير، لكن تجديد فكرة الوعى بالدين هى الأهم، ففى العالم الحديث لا يجوز لنا أن نختلف أو نتفق على حجية نص ما أو قابليته للتنفيذ أو تحقيق الأهداف المرجوة، بل يجب أن يكون الاختلاف والاتفاق على ما يحقق مصلحة الناس ويفيد المجتمع والدولة، وقد لجأ العديد من الفقهاء المسلمين المستنيرين لحلول توافقية فى هذا الشأن، فنرى عالما جليلا مثل شيخ الأزهر الإمام المراغى يقول للجنة وضع قانون الأحوال الشخصية لا تشغلوا بالكم بما يضعونه من مواد القوانين، ولكن أشغلوا بالكم بما يحقق مصلحة المسلمين وآتى لكم بنص يحقق هذه المصلحة ويؤيدها، بينما تمسك آخرون بنصوص دون غيره، وتفاسير دون غيرها، مضيِّقين مفهوم الدين ومفهوم النص ومفهوم الحجية إلى أقصى مدى، وفى الحقيقة أنا لا أرى الآن فائدة تذكر من أن ننتظر عالما مستنيرا يفتح لنا المجال العام مثلما فعل الشيخ المراغى، أو يصطدم بآخر يضيق علينا الدنيا بما فيها، لكن الفائدة الحقيقية فى أن ندع ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
 
هذا الفهم المستنير لفكرة الدين لم يكن أبدا وليد اللحظة، ولم يكن أيضا بأمر مستحدث، فقد فعله أوائل المسلمين وأوائل الخلفاء الراشدين، كما فعله سيد الخلق سيدنا محمد أيضا، وكم من حكم نزل قبل الهجرة تم تغييره بعد الهجرة، وكم من نص كان حاكما أثناء حياة الرسول وأبطل العمل به بعد وفاته وخير مثال على هذا حديثه الكريم «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» وما فعله عمر ابن الخطاب فى إبطال حد السرقة وإبطال سهم المؤلفة قلوبهم وإبطال توزيع الأراضى المفتوحة على الفاتحين وهى القضية المشهورة باسم قضية «الأرض السواد». 
 
نأتى هنا للقضية الأهم وهى هل يجوز أن نطلب من رجال الدين تجديد الخطاب الدينى أو تجديد الوعى بالدين؟ والإجابة هنا هى «لا» لأن رجال الدين اعتادوا أن يفكروا «بالنص» فى حين أن ضرورات مقاصد الشريعة وضرورات الحياة تتطلب أن نفكر «فى النص» وطلبنا من رجال الدين تجديد الخطاب الدينى يتشابه عندى مع طلبنا لجراح أن يجرى عملية جراحية لنفسه، وهو أمر يستحيل وإن تحقق سيسبب الخسران للجميع، فما الحل إذن؟ نكمل غدا.