اغلق القائمة

الأحد 2024-05-05

القاهره 10:27 ص

الكاتب الصحفى خالد صلاح

خالد صلاح يكتب: ولكن.. ما هو دور الرئيس السيسى فى الإخراج السيئ؟

الأربعاء، 31 يناير 2018 09:00 ص

 
نحن نسينا فقط يا أخى ماذا جرى لنا من قبل!
سقطت ذاكرتنا، طوعًا أو كرهًا، فطفقنا نخصف على عوراتنا من أوراق التواكل الأحمق!
لا شىء هنا يا سيدى سوى أننا، أنت وأنا، نسينا!!
نسينا ما الذى كان قد جرى لأمتنا من قبل فى انتخابات الرئاسة لمرتين متتاليتين، نسينا ضعفنا وقلة حيلتنا السياسية التى قادت البلاد إلى الهلاك، نسينا لدرجة أننا نحمل الرئيس الحالى المسؤولية عن اختراع بدلاء لشخصه، وتفصيل منافسين أقويا لينازعوه على السلطة، كأن اختراع الرؤساء هو مسؤولية رأس السلطة التنفيذية، وكأن السيسى قد ضمن فى برنامجه الانتخابى مشروعًا قوميًّا لاستزراع مليون ونصف مليون رئيس جمهورية محتمل!
أقول نسينا ما جرى، لأن ما نشهده الآن قد عاصرناه من قبل مع انتخابات الرئاسة التى قادت إلى سيطرة مكتب الإرشاد على قصر الاتحادية، هل نسيت ما الذى كنا نقوله حول ضعف كل المرشحين تقريبا؟!
أولا: لم يكن عمرو موسى يسيطر على مشاعر الناس، وكانت الاستطلاعات لا تمنحه أكثر من النسبة المتواضعة التى حصل عليها فى الجولة الأولى، لكن الرجل عاند بقوة، وبلا خبرة انتخابية أو دراية بحركة التصويت، وحين دعاه البعض للتحالف مع الفريق أحمد شفيق، رفض كلاهما أى نوع من التحالف، وتعالى كل منهما على الآخر، فالأول اعتبر نفسه رمزًا للدبلوماسية العربية لا ينازعه أحد فى براعته وحكمته وعلاقاته الدولية، والثانى اعتبر نفسه رئيس وزراء مصر ووزير طيران وقائدًا عسكريًّا هو الأحق بالقيادة والأحق بالسلطة تعويضًا عن كرامته التى أضاعها بنفسه فى لقاءات تليفزيونية هزيلة وفى تصريحات سياسية صبيانية.
 
هل تعتبر أن تلك الانتخابات كانت تنافسية فعلًا؟ أم أنها تعبير عن كبرياء جوفاء لعواجيز السياسة المصرية الذين جهلوا بأوضاع الناس، وظنوا أن الساحة خالية لتحقيق أحلامهم فى وراثة مبارك، فخسر شفيق وخسر موسى لأنهما ببساطة لم يكونا جاهزين للتنافس من الأساس، كان التنافس شكليًّا، ولم يكن لأى منهما برنامج حقيقى يتمايز عن الآخر، كان السباق «طمعًا» فى السلطة، وليس سباقًا لتحقيق «أمنيات شعب» بخطط حقيقية.
 
هل نسيت هذا يا أخى؟
ما جرى بين شفيق وموسى، جرى أيضا بين حمدين صباحى وعبدالمنعم أبو الفتوح، هل نسيت ذلك أيضًا، سبحان الله فى ذاكرتك، هل نسيت مواسم الوساطة بين الرجلين ليخوضا الانتخابات معا، أحدهما على مقعد الرئيس والآخر على مقعد النائب حتى يستطيعا منافسة ما كنا نسميها وقتها «قاعدة المرشد» فى مواجهة قاعدة «الدولة العميقة»، هل نسيت أن كلاهما طمع فى أكثر مما تستطيع قوته، وأفشل كل منهما الآخر بسذاجة وعدم قدرة على دراسة الأوضاع الانتخابية، والقدرة التى حشدها الإخوان آنذاك، والأموال التى تدفقت على الإخوان لتنتصر كل أكاذيبهم على إرادة الأمة؟!
هل تظن الآن أن أيًّا من هؤلاء الرجال الأربعة يستحق المنافسة فعلًا فيما فشل فى اختبار تافه كهذا الذى شهدته مصر فى أول انتخابات رئاسية بعد الثورة؟ الأربعة لم ينحازوا لتنافس البرامج بقدر ما انحازوا لأشخاصهم، ولرغبتهم فى السلطة، ومن ثم فشلوا جميعا وتركونا نهبًا لتنظيم إرهابى، بل وراح بعضهم يبايع هذا التنظيم طوعًا، فكسروا الدولة العميقة، والدولة الوليدة، والدولة التى نحلم بها، انتقامًا لأنفسهم وطمعًا فى أن المرشد سيمنحهم بعض العطايا فى المناصب والترتيبات بعد تمكين الجماعة من قيادة البلاد.
 
هل تسمى هؤلاء مرشحين تنافسيين؟
هل تثق فى أن هؤلاء كانوا يخوضون انتخابات تنافسية فعلًا؟
ثم يا أخى، قف أمام ضميرك واسأل نفسك: لماذا لم تنتفض منتقدًا ما تسميه الآن «الإخراج السيئ» حين عصفت لجنة الانتخابات الرئاسية آنذاك باسم واحد من أشرف رجالات مصر وهو اللواء عمر سليمان؟ لماذا لم تتحدث وقتها عن التوازنات، وعن الإخراج السيئ، وعن ترتيب مشهد البلاد لترثه جماعة بعينها؟ ولماذا سكت كل هؤلاء الذين يطنطنون اليوم بأن المشهد فى مصر «غير تنافسى»، و«إخراجه سيئ».
 
لعن الله الذاكرة السمكية التى تنسى عورات الساسة والسياسة!!
السيسى لم يكن مرشحًا رئاسيًّا أبدًا، لم يرغب فى السلطة، ولم يتطلع إليها، وكل طوائف الشعب التى التقته فى أعقاب ثورة يونيو تعلم جيدًا أن الرجل كان عازفًا عن كل ذلك، ويشهد كل الذين عرفوا المستشار عدلى منصور خلال فترته الرئاسية أنه كان «رئيس حقيقى» وليس واجهة لحكم القوات المسلحة، كما يدعى البعض، وكل الذين اطلعوا على كواليس الأوضاع فى مصر يعرفون كيف قاوم الرئيس السيسى كل الدعوات لتولى هذا المنصب، لم يكن الرجل يراوغ أمته، لكنه كان جادًّا وصادقًا، لأنه يعرف أكثر من غيره أن المهمة تنوء عن حملها الجبال، وأن الضريبة باهظة، وأن المنصب فى هذا التوقيت جهاد مضنٍ، وليس فخرا تليدًا.
 
هل نسيت هذا أيضًا يا أخى؟
هل نسيت أن المرشح المنافس للسيسى حصل على عدد أصوات أقل من عدد الأصوات الباطلة فى الانتخابات التى تلت ثورة يونيو، هل كان حمدين صباحى منافسًا شكليًّا يا أخى؟ وهل كانت مسؤولية الرئيس السيسى آنذاك أن يفكر فى اختراع منافس أقوى من حمدين، فقط ليقول إن هذه الانتخابات حقيقية، وإن المنافسين جادون وليسوا منافسين شكليين، وهل كانت مسؤوليته وهو يفكر فى تحديات وطن كامل، أن يخطط هو أيضا لاختراع منافسة ترضى جمهور «تويتر»، وترحمه من ألسنة السوء فى «نيويورك تايمز».؟
هل يبدو لك الرجل وكأنه رجل شكليات؟
وهل يبدو لك كل الأسماء التى خاضت هذه الانتخابات من قبل أنها أسماء جادة؟
يا أخى، نحن فقط ننسى، حتى إننا ننسى من خدع الأمة بجهل، ومن انتصر للأمة بعلم وجدية.
الشكليون هم الذين يريدون أن ينعموا بتداول السلطة، بقرار من السلطة نفسها، لا بقرار من الشعب ولا بجهد يبذلونه فى صفوف الشعب.
 
الإخراج السيئ هو خطيئة الكسالى الذين ظنوا أن السيسى سينعم عليهم بالعطايا والمناصب، وسيعقد الصفقات السياسية على طريقة صفقات فيرمونت والفورسيزونز، وحين ضاعت أحلام الصفقات، راحوا يراهنون على فقدان الذاكرة الأممية.
لعن الله ذاكرة السمكة.
لعن الله مرشحى الصدفة.
لعن الله ذئاب السياسة حين يرتدون أقنعة الحملان.
نحن لن ننسى عوراتكم.
 وتبقى مصر من وراء القصد.