اغلق القائمة

السبت 2024-05-04

القاهره 05:09 ص

عم صلاح

"أنت مش فاهم حاجة ياعم صلاح".. عبده زكى يكتب: كيف يتوهم الإرهابى امتلاكه للحقيقة الكاملة؟.. الجملة تعبّر عن يقين المجرم بأننا جهلة ومصيرنا للنار.. ونحتاج ثورة دينية وثقافية ورياضية قبل انتشار "أسيوط التسعينات"

الثلاثاء، 02 يناير 2018 05:30 ص

"أنت مش فاهم حاجة".. جملة قالها وبمنتهى الثقة واليقين الإرهابى الذى استهدف الشرطة والأقباط فى حادث كنيسة مار مينا بحلوان صبيحة يوم الجمعة الماضى للحاج صلاح الموجى، بعدما انقض عليه.. وهى جملة مرت مرور الكرام ربما على آذان غالبية من سمعها من "عم صلاح" وفهمها الجميع على أن الإرهابى استهدف من خلالها الإفلات لمواصلة القتل أو الهروب وهذا غير صحيح ولا يجب فهمها بهذا القدر من السطحية.

والإرهابى عندما قال: "أنت مش فاهم حاجة" كان على يقين بأن "عم صلاح" فعلا لا يفهم شيئا وأنه متخلف وأننا جميعا متخلفون وسطحيون ولا نعرف من الحقيقة شيئا ، فالإرهابى ومن فى زمرته يدركون تماما أن ما دونهم فى النار لا محالة لجهلهم بتعاليم الدين ومعصيتهم لأوامر السماء ورسول الإسلام.. لا فرق لديه بين المسيحيين واليهود والبوذيين والمسلمين.. هو لا يعتبرهم مسلمون بل كفارا كعبدة الأوثان والنار والبقر وهو نادم على سنوات عمره الماضية تلك التى عاشها كالأنعام بل أضل سبيلا.

لكن السؤال المحير: كيف وصل هذا الإرهابى وكل إرهابى إلى هذا المستوى من اليقين؟ وكيف يتحول الإرهابى إلى كاره للحياة ؟ وكيف يستطيع إنهاء حياته مبتسما ؟ بل ما الدافع إلى تنافس الإرهابيون للانتحار الذى يسمونه استشهاد؟

فى تسعينات القرن الماضى نشط الإرهاب فى أسيوط وأذكر أن شبابا وأطفالا بالملايين شعروا بإعجاب تجاه فكر الجماعة الإسلامية المرتكز على السعى نحو تطبيق الشريعة الإسلامية وتكفير الحاكم واستباحة دم الشرطة والأقباط وغير الملتزمين دينيا.

كان شباب الإرهابيون فى المدارس خاصة الثانوية يقيمون ما يطلق عليه حلقات العلم والذكر.. يقف الداعية التلميذ ويصلى ويسلم على رسول الله ويبدأ فى الحديث فيلتف حوله الطلاب يسمعون الدرس.. درس الصباح ودرس الفسحة ودرس آخر اليوم الدراسى.. وترى الإعجاب فى أعين بعض التلاميذ وبمرور الوقت ينضم جدد إلى ما يسمونه الدعوة.. كان الداعية التلميذ يردد يوميا جملة أذكرها جيدا وهى" نعم نحن إرهابيين لأننا نرهب أعداء الله ورسوله" وهو يقصد أن الشرطة والجيش والمطربين والموسيقيين وغيرهم أعداء الله.

وأتصور أن هذا الفكر اخترق قلوب كثيرون من الشباب والأطفال وأصبح كل منهم داعية فى قريته وحارته يدعو فى البداية للصلاة ثم يدعو للصلاة فى مساجد بعينها وبعدها يحرض على مهاجمة وحرق الأضرحة والكنائس ولأن الفكر المتطرف عدوى فقد تقوقع الشباب المسيحيين فى مجتمعاتهم أيضا يقلدون الإرهابيين ويقيمون حلقات الذكر ولولا فضل الله وقتها ونجاح الأجهزة الأمنية لتحولت أسيوط والمحافظات على يمينها ويسارها لكتل نارية من الإرهاب.

يقول أحد الباحثين فى الفكر المتطرف إن قواعد جذب الأبرياء إلى مستنقع الإرهاب تبدأ بالدعوة والترغيب فى الطاعة والبعد عن المعاصى وتنتهى بالوعود بالحور العين.. هذه الحور التى تنتظر المنتحر أو الشهيد عدو أهله من الكفار ولذا شيئا فشيئا يتحول الشخص إلى مكفر وقاتل يغلق أذنه عن كل توجيه فقد تم تنويمه مغناطيسيا وبات توجيهه بـ"الريموت كنترول" فى منتهى السهولة.

لا تحدثنى هنا عن قدر العلم والتعليم فالطبيب والمهندس والمفكر وأستاذ الجامعة والفنان ليس فى مأمن عن الفكر المتطرف الذى يمتلك أساتذته كل أدوات التأثير المعنوى والسيكولوجى والدينى.

والأمر على هذا النحو يتطلب ثورة فكرية دينية ثقافية قوية وسريعة.. ثورة يحل فيها رجال الدين محل الإرهابيون لملء الفراغ الذهنى والعقدى.. وثورة يخرج بمقتضاها المثقفون من صوامعهم إلى أفاق المجتمع ويتخلصون من التعالى والكبرياء الذى يصور لهم بأن لا أحد سيفهمهم وهم هنا تماما كالإرهابيين.. ثورة فى مجال الرياضة تعيد مراكز الشباب بالقرى والمدن والنجوع إلى سابق عهدها يوم كانت ساحة للتنافس الرياضى والمعلوماتى.. وثورة تعيد قصور الثقافة إلى ما كانت عليه مكانا للقراءة والتمثيل والعزف والغناء والرقص.

يا سادة.. أرجوكم انتبهوا وسارعوا لإنقاذ شباب الوطن واعلموا بأننا لا نمتلك رفاهية الوقت.. حصنوا الشباب من التطرف واقطعوا إمدادات التنظيمات الإرهابية بعناصر نحتاجها للارتقاء للوطن قبل استغلالها فى تدميره.