اغلق القائمة

السبت 2024-05-04

القاهره 11:16 م

النائب "ساقط العضوية" محمد أنور السادات

مهرج فى حلبة السياسة.. السادات يعلن عدم ترشحه للرئاسة على طريقة الخواجة بيجو

كتبت محمد عطية الإثنين، 15 يناير 2018 02:32 م

فى لوحة ساخرة ضمن فيلم "عروس النيل"، يظهر الممثل الكوميدى فؤاد راتب، الذى اشتهر بدور "الخواجة بيجو"، فى مقابلة مع أحد الأشخاص على خلفية إعلان عن وظيفة، وبعد حوار طويل يكشف عدم امتلاك "بيجو" لأى قدرات أو مهارات تساعده على اقتناص هذه الوظيفة، تنتهى هذه اللوحة برده المضحك المُبكى: "جيت أقول لكم ما تعملوش حسابى".

بالمنطق والبديهة لا يمكن اعتبار أى شخص مرشحا لوظيفة أو فاعلية أو مهمة أو استحقاق انتخابى، ما لم يُعلن ترشحه، وقبل هذا الإعلان فإنه لا صفة للشخص فيما يخص هذا الأمر، أو ببساطة أكبر، ما لم تُعلن ترشحك لوظيفة أو مهمة بشكل رسمى، يُصبح من غير المنطقى أن تُعلن انسحابك منها بشكل رسمى، والأكثر إثارة للسخرية أن تتكلف عناء تنظيم مؤتمر ذى صيغة رسمية لتعلن فيه على طريقة "الخواجة بيجو" أنك جئت لتقول "ما تعملوش حسابى".

الحكاية السابقة بمشهدها السابق واختلالها المنطقى، تنطبق على ما فعله محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، والنائب "ساقط العضوية" عن دائرة تلا والشهداء بالمنوفية، فبعد أيام من انطلاق مرحلة جمع التوكيلات الشعبية وتزكيات أعضاء مجلس النواب للمرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة 2018، خرج "السادات"، الذى لم ينظم مؤتمرا لإعلان ترشحه، فى مؤتمر لإعلان عدم ترشحه، وكأن الفرضية القائمة أن 104 ملايين مصرى مرشحون للرئاسة ما لم يعقدوا مؤتمرات لإعلان عدم ترشحهم.

النائب السابق، ورئيس الحزب السياسى، ومؤسس الجمعية الأهلية، ورجل الأعمال صاحب الثروة بالغة الضخامة، خرج من مجلس النواب فى فبراير الماضى، على خلفية اتهامه بالتواصل مع جهات أجنبية ونقل معلومات وأسرارا تخص المجلس والمشروعات المعروضة عليه ومسارات التشريع فى أروقته، وفى جلسة عامة حضرها 480 نائبا، صوت 468 على طرده من المجلس، بينما رفض 8 فقط إسقاط عضويته، وامتنع 4 عن التصويت.

الصورة السابقة التى خرج بها "السادات" خروجا مهينا، مُدانا ومُلاحَقا بالشبهات التى لم تتوقف فقط على تسريب قوانين ومعلومات لسفارات وجهات أجنبية، وإنما وصلت إلى ملاحظات تخص تمويلات مالية لجمعية أنشأها فى المنوفية باسم "جمعية السادات"، بحسب تقارير وخطابات صادرة عن وزارة التضامن الاجتماعى وتصريحات لوزيرتها غادة والى تحت قبة البرلمان، لا تحمل أى احتمال لأن يبادر أى من أعضاء هذا البرلمان الذى طرد "السادات" بتحرير استمارات تزكية له للترشح فى انتخابات الرئاسة، وحتى لو افترضنا أن رافضى إسقاط عضويته والممتنعين عن التصويت قد يزكّونه، وهذا أمر غير مؤكد، فإن هذا الافتراض الجدلى لا يوفر له 20 تزكية ينص الدستور على اعتبارها عتبة للترشح فى الانتخابات.

الباعث على النظر فى الأمور بعمق، فى ضوء المشهد السابق وتشابكاته، أن محمد أنور السادات عبر فى وقت سابق عن رغبته فى خوض انتخابات الرئاسة المقبلة، أو بدقة، عبر عن نواياه لخوضها، فى مداخلة هاتفية مع أحد البرامج التليفزيونية، ولكنه لم يُنه مداخلته بتأكيد الأمر وإنما قال إنه سيدرس المشهد وسيعقد مؤتمرا الاثنين - يقصد اليوم - لإعلان ترشحه، مشددا على أنه سيترشح عبر التزكيات البرلمانية لا التوكيلات الشعبية، وهى النقطة التى كانت تحمل داخلها بذور الشك لو نظر المتابع والسامع فى جوهرها، وربط بين إسقاط عضويته من البرلمان بأغلبية ساحقة، 468 صوتا من 480 صوتا، وانعدام فرصه فى الحصول على 20 تزكية من هذا البرلمان الذى رآه مدانا وخارجا على الأعراف البرلمانية ومقتضيات العمل التشريعى ومصالح الدولة المصرية، وبناء عليه قرر طرده بشكل بالغ الإهانة.

بجانب فضيحة التواصل مع سفارات ومنظمات أجنبية، يمكن استدعاء عدد من المواقف والممارسات السابقة التى يمكن أن توفر سياقا صالحا لقراءة شخصية محمد أنور السادات وبواعث تحركاته، فالرجل الذى أُثيرت أحاديث وتساؤلات، ونُشرت تقارير وموضوعات صحفية، حول تربّحه من نظام مبارك وتكوينه ثروة طائلة عبر علاقته بوزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان وحصوله على آلاف الأمتار المربعة من الأراضى بأثمان بخسة، هو نفسه الذى حاول ارتداء عباءة المعارضة فى اللحظات الأخيرة لنظام مبارك، وبينما صمت تماما فى فترة الإخوان، وتواصل مع عدد من قيادات الجماعة، حاول الحصول على مكاسب سياسية مع انطلاق البرلمان الحالى، ومع فشله فى الأمر استقال من رئاسة لجنة حقوق الإنسان، ثم بدأ الهجوم على المجلس وانتقاد رئيسه وإشاعة شبهات وأمورا غير دقيقة عنه، وفى كل هذه التحركات بما فيه من تفاصيل صغيرة صحيحة، وتلال ضخمة من الادعاء والتلفيق، لا يبدو أن الرجل الذى طرأ على حقل السياسة بعدما كان مغرما فى شبابه بالبيزنس فقط، يتحرك فى ضوء رؤية سياسية خالصة، وإنما يحركه "الشو"، وما قد يرتبط به من خيوط قد تبدأ من بيت الأسرة فى المنوفية، أو بيته فى مصر الجديدة، وتمتد حتى تصل لبلاد وعواصم ومنظمات وجهات عدة.

الموقف الأخير بالغ الغرابة، المتمثل فى تنظيم مؤتمر صحفى لإعلان عدم الترشح للرئاسة، وهو سابقة لم تحدث من قبل لا فى مصر ولا فى أى دولة أخرى، لا دلالة لها إلا أن الأمر مجرد خطوة على طريق مُعدّ مسبقا، فدون شك كان الرجل يعلم أن المجلس الذى طرده قبل 11 شهرا بـ468 صوتا لن يمنحه أصواتا تحمله لقائمة مرشحى الرئاسة، وبالتأكيد يعرف أنه محصور بالنسبة للشارع بين حائطين، المجهولية أو السمعة المحاطة بالشبهات "فى ضوء الطرد من المجلس والحديث عن الثروة"، ومن ثمّ فإنه لا قراءة موضوعية للأمر إلا باعتباره مشهدا مكتوبا للطعن فى عملية انتخابية لم تقطع إلا خطوتها الأولى بعد، ولم تشهد حتى الآن انتقادات حتى من المحسوبين على المعارضة اليسارية، وفى الوقت الذى يخرج فيه "السادات" متقمصا شخصية "الخواجة بيجو" وناطقا عبارته المضحكة المبكية: "جيت أقول لكم ما تعملوش حسابى"، يؤكد أنه يدير نفسه وعلاقاته وأهدافه على طريقة الخواجة بيجو، الرجل محدود القدرة والموهبة الذى لا يريد الوظيفة ولا يشك فى أنه غير لائق بها، ولكنه يخرج على الشاشة 5 دقائق ليُضحك الجمهور، وبالتأكيد ليوجه رسالة لمتفرجين لا نعرف عددهم، ولكننا قد نقرأ نواياهم، ويمكنك قراءتها أيضا بدءا من الآن وخلال الأيام المقبلة عبر مواقع الإخوان وقنواتها.