اغلق القائمة

الإثنين 2024-05-06

القاهره 03:52 م

سامح جويدة

بين تجديد التراث و تحطيم الذات "3 "

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017 10:00 م

تراثنا الإسلامي والحضاري. قلت اننا تمادينا في تحميل تراثنا التاريخي بكل انكسارات الحاضر فحملناه تخلفنا العلمي والأخلاقي والسياسي والاقتصادي وكأن أئمة المسلمين وفلاسفتهم الذين عاشوا منذ الف عام او اكثر مسئولين عن رسم مستقبلنا وتنظيم شئوننا وتعظيم شأننا. وهذا بطبيعة الحال محال. فلقد اجتهدوا وبرعوا في تدبير أمور حضارتهم وقتها وتركوا لنا تراث علمي وفكري عظيم الهم الغرب وكان الأساس لكل ما وصلوا اليه الان في اغلب العلوم والفلسفات الحديثة.

والعلماء والمتخصصين في شتى العلوم يدركون فضل الحضارة الإسلامية في ما وصلت اليه عقول العالم بعد الف عام. في الوقت الذي اكتفينا نحن بمحاسبة رموز حضارتنا علي التوافه حينا او علي مصائبنا في حين اخر متعمدين تشويه التاريخ بكل ما فيه وتكسير ثقة الاجيال القادمة بتاريخهم وعقيدتهم واصولهم الفكرية. فنوصم الحضارة الاسلامية  بأنها سبب الإرهاب والتطرف الديني الذي نعيشه الان؟؟ متجاهلين عشرات الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية التي أدت لتفشي هذا الوباء بيننا حتى اصبح شيمتنا امام العالم.  وأول سلاح يستغله المتآمرون في الفتك بالدول العربية والإسلامية وتخريبها وانتهاك مواردها. فتسمع من يقول ان الإرهاب الذي نعيشه الان اصله يعود للأئمة الأربعة ولأحكام التعامل مع الديانات الأخرى منذ قرون. ونتهم حضارتنا بالعنصرية في وقت كان كل البشر لا يفكرون الا بلونهم وانسابهم وقبائلهم واديانهم. ونقول ان كتب الائمة الاربعة كانت تطلق علي المسيحي لقب ذمي وليس له حق ( النفس بالنفس). ونتباكى ونصرخ بأن مصائبنا جميعا بسبب هذا الجهل وان الارهاب والتطرف جاء من ذلك. وكأن الارهابين سوف يختفوا من الارض اذا محونا تلك الاحكام من التاريخ. رغم ان الحضارات المماثلة وفي نفس المرحلة التاريخية بل وبعدها كانت تأمر بقتل ابناء الديانات الاخرى وتحرم وجودهم في الحرب والسلم.

كانت تلك هي طبيعة حياة البشر وقتها كلها عداءات ونزاعات ومعارك. لذلك حينما تطلق الحضارة العربية علي اصحاب الديانات الاخرى ذميين او تعطيهم أوضاع اعتبارية. فهذا لا يقلل من قدر الائمة او يوصم الحضارة بالعنصرية. لان هذه سمات هذا العصر بل قد يعتبر العرب في تلك الفترة من اكثر الحضارات استنارة واكثرهم استقرارا في الشكل الاجتماعي . بدليل ان هناك فرق بين "الذمي" الذي يدفع الجزية وهي شكل من اشكال الضرائب بمفهومنا الحالي او "المستأمن" من اصحاب الديانات الاخرى الذي يدخل البلاد بغرض التجارة او العمل او اي نشاط اقتصادي وبين "المعاهد" وهم أصحاب الجنسيات الأخرى التي بينها وبين العرب معاهدات سلام ان المصطلح هدفه سياسي في المقام الاول وليس تشريع ودين وثوابت كما يدعي المتحذلقون. فلماذا ننبش في الماضي بحماقة ونصر علي تشويه افكارنا بدلا من تنويرها. ولماذا نتعمد اثارة الجدل والخلاف في قضايا انتهت من زمن بدلا من التركيز علي مشاكلنا الان. وهل بعد كل هذه القرون مازلنا نحتاج لأدلة لنعرف ان الاقباط شركاء وطن واصحاب دين سماوي عظيم واننا متساوين في الحقوق والواجبات!! وهل عقولنا قاصرة حتى نتصور ان الارهاب القذر الذي يترصدهم سببه المرجعية الدينية للمسلمين من 1300 عام !!؟

الا ندرك بذور الفتنة التي تزرع بيننا في مصر سواء بالإرهاب او بتلك القضايا المتخلفة التي لا يقصد منها الا تكسير ثوابت الامة وزعزعة الثقة في اركانها و جذورها. وبدلا من ان تتفرغ اجيال المستقبل للتفكير في علوم الفضاء والجينات والذكاء الاصطناعي يقضون وقتهم في الجدال حول ذمي و مسيحي وكافر وهل يري المسلمين ان المسيحين كفار وهل لا يعترف المسيحيون بالإسلام!!.

 اي حماقة نرتكبها في حق عقولنا وابنائنا حينما نروج لهذه القضايا المتخلفة من وقت الي اخر ويزايد الاعلام في نشرها وتأجيج الصراع فيها. وهل نعالج الارهاب بذلك ام اننا نصنع ارهاب فكري اقذر واعنف من أي ارهاب مسلح.