اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 06:41 ص

وائل السمرى

ميراث سعد زغلول

بقلم وائل السمرى الخميس، 06 يوليو 2017 03:00 م

فى كتابه المهم «المؤرخون والدولة والسياسة فى مصر»، الصادر عن المركز القومى للترجمة، يورد المفكر «أنتونى جورمان» اقتباسا غاية فى البراعة والأهمية للرئيس الراحل «محمد نجيب»، مستخدما هذا الاقتباس كمنطلق لتحليل العلاقة بين المصريين وبعضهم البعض، موضحا دور «السلطة الرشيدة» فى النهوض بجميع عناصر المجتمع، فيقول نجيب: إن أحد أهم إنجازات سعد زغلول أنه جعل من الممكن للمسلمين والمسيحيين فى مصر أن يعملوا معا، بصرف النظر عن الاختلافات بينهم، ولو سادت مبادئ الثورة بالشكل الأمثل لها، لكانت مثالا يسعى إلى استلهامه اليونانيون واليهود والأرمن والسوريون واللبنانيون وسائر الأقليات الأخرى، لقد كانت ثمة آمال عريضة لأن تكون هذه الصورة هى المعادل الحديث للمجتمع العالمى الكونى، الذى ازدهر فى كنف الدولة الأموية فى الأندلس.
 
يمكننا بعد قراءة هذا الاقتباس الوقوف على مكانة سعد زغلول، الذى تمر ذكرى وفاته التسعين الشهر المقبل فى قلب «نجيب»، كما يمكننا أن نرى أيضا مدى ثقافة هذا الرئيس «المغدور» الذى كان يدرك أهمية الميراث «السعدى» وليس هذا فحسب، بل يدرك إمكانيات تطوره، ويضعه فى سياق تاريخى قديم وحديث فى آن، لكن أهم ما يوضحه هذا الاقتباس هو قدرة نجيب على وضع يده على مفصليات الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر، فحقبة «ثورة 1919» من أكثر الحقب التاريخية بهاء وإشعاعا فى تاريخنا الحديث، ولا يداخلنى الشك حينما أقول: إن مجد مصر الحديثة صنع فى هذه الفترة التى أنتجت عشرات الرموز الفنية والأدبية والبحثية نادرة الحدوث، ولا أبالغ أيضا إذا قلت: إن مصر عاشت- لا أريد أن أقول هنا إنها عاشت عالة- على خير هذه العقول حتى الآن، ففيها نشأ كل عباقرة مصر الحديثة، فى السياسة والفكر والفن والنحت، فكيف أنتجت «الدولة» هذه الإنتاج المبهر؟ وكيف استعاطت بلورة محاولات التنوير والتحديث التى سبقتها لتعلن عن نفسها بهذه البراعة بدلا من أن تبددها؟
 
تلك فترة شعر فيها المصرى بنفسه، ببلده، بانتمائه، واكبها إعلان مصر كمملكة مستقلة، وواكبها حركات تحرر وطنى وفكرى، وحدت الهدف أمام العيون، وبثت الحلم فى الشرايين، فكانت النهضة المصرية الحقيقية التى أنتجت ما يبهرنا الآن من عمائر وفنون تعكس دون تشويش ما تمتعت به مصر وقتها من استقرار ووعى وملاءة اقتصادية، ولم يكن هذا كله ليتم، لولا قدرة سعد زغلول على توحيد صفوف الشعب المصرى كله تحت مظلة وطنية واحدة، وهو الميراث الذى لن تستطيع أن تنهض مرة أخرى دون أن تستلهمه.