اغلق القائمة

الإثنين 2024-04-29

القاهره 10:11 ص

محمد الشرقاوى

خالد البلشى.. عندما يكون الصحفى فاشلا وبذيئا

الأحد، 11 يونيو 2017 05:28 م

لروابط سياسية وأيديولوجية، توفرت فرصة كبيرة للصحفى الشاب، محدود القيمة والقدرات، ليصبح رئيسا للتحرير فى غفلة من الزمن، متصدرا واجهة تجربة صحفية كانت واعدة وقت صدورها، ليكتب شهادة وفاتها بدم بارد، ويفوز برقم ضخم فى حسابه البنكى.
 
فى البديل بدأ نجم خالد البلشى فى اللمعان، المرحلة كانت مختلفة ومبشرة وتقبل الظهور، سنوات العقد الأول من الألفية الجديدة، بما حملته من حراك سياسى وتغير كبير فى أطر المعادلة السياسية وصراع القوى الفاعلة فى المجتمع، وانعكس الحراك على ساحة الصحافة والميديا، فبزغت عشرات التجارب الصحفية والتليفزيونية المستقلة، وبزغت معها أسماء لم يكن لها حضور من قبل، وبعضها لا يملك أية قدرات استثنائية تكفى لوضعه فى الواجهة.
 
اقتراب "البلشى" من محمد السيد سعيد، وتوليه مهمة أقرب للسكرتارية الخاصة، ساعداه على اقتناص مزيد من الترقى، وصولا لرئاسة تحرير البديل عقب رحيل "سعيد"، ولم تنقض شهور حتى تراجع خالد البلشى بالتجربة، ونزف ما حققته من نجاح على أيدى مؤسسيها، بضغط من رعونته وقلة خبرته ومعرفته بأصول الصنعة، وظل قابضا على الصحيفة وخانقا لها، وعلى موقعها الإلكترونى، حتى نجح فى التخلص منه بالبيع لجهات إيرانية، عبر وسطاء مصريين، وتحصيل عمولة بأرقام من ذوات الأصفار الستة، بفضلها اشترى شقة سكنية فى شارع قصر العينى بوسط القاهرة، واشترى أرضا فى مسقط رأسه، واحتفظ بمبالغ ضخمة فى حسابه البنكى.
 
من تجربة البديل والسمسرة الضخمة فيها، إلى تجربة "البداية" واتخاذها ستارا لتدشين علاقات مع منصات وخطوط تمويل دولية، وهو الأمر نفسه الذى تفعله زوجته الصحفية نفيسة الصباغ فى تجربتها "مصريات"، التى تتلقى تمويلات مالية من جهات دولية بأرقام ضخمة، ليبدو من التجربتين أن مشروع الأسرة، البلشى وزوجته، مشروع صحافة ممولة وتغازل الدافعين والراغبين فى الشراء وتجنيد الوكلاء بامتياز، ولا مانع من مسحة ماكياج وطنية الطابع، وقدر من الخطاب المعارض، إذ لا يحب ممولو الخارج الموالين ولا الموضوعيين، يحبون فقط الحناجر الصارخة.
 
ربما لا يبدو الأمر حتى الآن مثيرا فى شىء، مجرد صحفى متواضع ومحدود القيمة، تواطأ على مؤسسة صحفية آوته ومنحته اسمه، خربها وباعها لوكلاء آيات الله وملاليه، وحصل عمولة ضخمة، وفتح دكانا إعلاميا جديدا لتسويق نفسه، وحصل على دعم وتمويلات، وساعد زوجته فى ترويج دكانتها والحصول على تمويلات أيضا، وكثيرون من أصدقاء خالد البلشى والمحيطين به يعملون بالطريقة نفسها، ويحترفون نفس الأداء، ولا يمكن اعتبار الصحفى "المديوكر" حالة شاذة أو ملفتة، مجرد ملوث فى دائرة واسعة من الملوثين.
 
الغريب أن فى السياق العادى يلتمس أشباه خالد البلشى الستر والمشى جنب الحيط، لا يجاهرون بما لا يتحقق فيهم من قيم ومبادئ، ولا يلفت الأنظار له بمزيد من الممارسات البذيئة، التى لا تختلف كثيرا عن إفساد الصحف، أو بيعها، أو تلقى أثمان بعضها من الخارج، ولكن خالد البلشى يصر، كما يليق بمحدود وصاحب قصة فشل عريضة، على أن يخوض حربا مع طواحين الهواء، وأن يرمى الآخرين جميعا بدائه وينسل، على طريقة "تلهيك وإللى فيها تجيبه فيك".
 
فى مجلس نقابة الصحفيين الذى كان خالد البلشى عضوا فيه ورئيسا لإحدى اللجان المنبثقة عنه، ورّط الصحفى النزق وبذىء اللسان، نقابته ونقيبه ومجلسه فى معركة غريبة وغبية مع الدولة، وكانت النتيجة خسارة الكيان والمنتسبين إليه فى المعركة التى افتعلها "البلشى" بمنتهى السطحية وقلة الوعى، ربما لا يعنينا ممارساته المشينة مع الصحفيين الذين عملوا معه، سواء فى موقع "البديل"، أو موقع "الوادى" الذى كان سبوبته لشهور، وصولا لموقعه الملاكى "البداية"، وهو نفس ما تفعله زوجته مع العاملين لديها فى "مصريات"، لا يعنينا أن يأكل جهد المحررين الشباب وأن يمنحهم الفتات ويستأثر بالمبالغ الضخمة، لا يعنينا أنه يسرقهم ويغتنى من وراءهم، هم أحرار، وطالموا قبلوا ابتزازه واستغلاله لهم فليس لأحد أن يرفض هذا، ربنا يهنى سعيد بسعيدُه، ولكن ما يعنينا هو ما يفرضه "البلشى" من بذاءة وخفة واعتباط وعشوائية على الأداء الإعلامى لهؤلاء الشباب، وما يعبئ به أرواحهم من أمراضه ورواكد روحه.
 
فى مقال أخير نشره المحروس تحت عنوان "مصر مش للبيع.. لازم ترحل"، لا يمكنك أن تمر مرورا عابرا على تلال البذاءة التى يمتلئ بها المقال، الأمر يتخطئ حدود المقال كفن صحفى، وحدود المعارضة كخطاب سياسى، وحدود الكتابة كفن وأدب، يبدو أن البلشى لا أدب لديه، لا يُحسن الأدب، بمعناه الوظيفى المرتبط بصنعة الكتابة، ينفق كامل مقاله على سباب الجميع، من رأس الدولة لرئيس السلطة التنفيذية لنواب الشعب، ولا يرحم من يوالونهم ويذهبون مذهبهم، الأمر ليس خلافا سياسيا ولا وطنيا حتى على اتفاقية وحدود، الكتابة الركيكة والبذيئة تتجاوز الخلاف إلى سباب يعاقب عليه القانون، لا يكشف فى الحقيقة عن سخونة القضية قدر ما يكشف عن برودة "البلشى"، وإخلاصه لمنطقه المعهود، كلما رفعت حنجرتك بالصراخ، وكلما انخرطت فى سب الجميع والمزايدة عليهم، أصبحت مناضلا وذا شعبية فى أوساط الأصدقاء والنشطاء وبوابات عبور الأموال الساخنة والرعاية الإعلامية والسياسية، الأمر لا يعدو كونه خطابا استهلاكيا، يجيده الرجل، ويتاجر به دائما.
 
الصحفى محدود التاريخ، وصاحب المشروعات الفاشلة بجدارة، الذى أفشل نقابة الصحفيين وورطها فى معركة شخصية سخيفة، ويُفشل أجيالا من الصحفيين الذين يمص دماءهم ويتاجر بعرقهم وحبر أقلامهم، يتألق جدا فى البذاءة، يعرف أن لها جمهورا، وأن قدراته لا تسعفه على إنتاج أى رصانة واشتباك عاقل وناضج مع الأمور، إذن لا بديل عن سباب الجميع والصعود فوق كرامتهم وشرفهم، حقا أو زورا، المهم أن يظل البالون منفوخا حتى لا يسقط على الأرض، وتسقط معه أوسمة النضال الخشبية التى يمنحها اليسار، وتجلب أموال اليمين الخارجى.
 
فى مقال خالد البلشى الأخير، كما فى مقالات كثيرة له من قبل، لا تملك إلا أن تبتسم ابتسامة أسى وشفقة وأن تعبر على مستنقع موحل من البذاءة، لا يمكن أن يكون هذا الأداء إعلاما، ولكنه اختزال وتكثيف لمرحلة من السيولة والبذاءة والمزايدة على الجميع، يتقنها بعض أبناء اليسار ومن تربوا فى حظائرهم، ويجيدون توظيفها لصناعة نمور من ورق، وبالونات ضخمة معبأة بهواء خفيف، يراها غير العارف فيُعجب بها، تماما كما يُعجب كثيرون من المغرر بهم بخالد البلشى وأدائه المبالغ فيه، ولكن من يقترب ويدقق، يكتشف أنه اختزال كامل وشامل للفشل والبذاءة فى شخص، ولن تكون متجاوزا إن سئلت عن أكبر نماذج الفشل والبذاءة فى ساحة الإعلام المصرى، فقت مرتاح الضمير "خالد البلشى".
 
 

نقلاًعن صوت الأمة