اغلق القائمة

الأربعاء 2024-05-29

القاهره 03:30 ص

طارق عامر و البنك المركزى

كيف نفهم قرار البنك المركزى برفع سعر الفائدة؟.. المودعون والبنوك و"الأموال الساخنة" أبرز المستفيدين.. زيادة الدين العام وعجز الموازنة وتأثر الاستثمارات أبرز السلبيات.. وعدم تأثر المشروعات الصغيرة والمتوسطة

تحليل يكتبه محمد البديوى
الإثنين، 22 مايو 2017 04:00 م

لا يمكن أن نفهم قرار البنك المركزى المصرى، برفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بمقدار 200 نقطة أساس، أى بنسبة 2%، دون الرجوع إلى الزيارة التى قامت بها بعثة صندوق النقد لمصر فى الفترة من 30 إبريل الماضى حتى 10 مايو الجارى، لإجراء المراجعة الدورية الأولى لبرامج مصر الاقتصادى.

 

صندوق النقد طالب باتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة التضخم

قبلها بأيام، أدلت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولى خلال افتتاح اجتماعات الربيع بين الصندوق والبنك الدولي بواشنطن فى 20 إبريل الماضى، بتصريحات قالت فيها: إن مصر بحاجة لاتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة مشكلة التضخم، والصندوق يعمل على مساعدة الحكومة والبنك المركزى للسيطرة على التضخم.

 

أيضا، جهاد أزعور ، مدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق، قال: "إن أسعار الفائدة هي "الأداة الصحيحة" للتعامل مع التضخم فى مصر، ونتباحث مع السلطات المصرية فى هذا الأمر"، لكنه لفت فى تصريحات تالية له، إلى أن "سعر الفائدة" خيار واحد ضمن مجموعة من الأدوات.

 

 

البنك المركزى يفاجئ الجميع ويرفع أسعار الفائدة

ورغم أن معظم التوقعات والتقارير كانت تشير إلى تثبيت سعر الفائدة، إلا أن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصرى، فاجأت الجميع، وقررت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بمقدار 200 نقطة أساس من 14.75% لـ16.75% ومن 15.75% لـ17.75% على التوالى، وسعر الائتمان والخصم من 15.25% لـ17.25%، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى من 15.25% لـ17.25%.

 

وكانت آخر مرة تغيرت فيها أسعار الفائدة في نوفمبر الماضى بعد تحرير سعر الصرف حين رفعها البنك المركزى 300 نقطة أساس "3 %"، ويعنى ذلك رفع سعر الفائدة 500 نقطة أساس على مرتين، خلال 6 أشهر.

 

وفسر البنك المركزى قراره برفع المعدلات الحالية للعائد، بأنه يتسق مع تحقيق المسار المستهدف لخفض معدل التضخم، وأن هدف هذه السياسة تقييد الأوضاع النقدية لاحتواء التضخم الضمني بعد استبعاد صدمات العرض والذي يتأثر بتوقعات التضخم والضغوط الناجمة من جانب الطلب، وليس لتحييد آثار الصدمات الناجمة من جانب العرض، خاصة أن معدل التضخم العام الشهرى شهد انخفاضا خلال شهر أبريل، في حين لا يزال معدل التضخم العام السنوى عند مستويات مرتفعة.

 

 

لكن ما هى الأثار الإيجابية للقرار وما هى سلبياته؟

قبل أن ننتقل إلى آثار القرار، يجب أن نفهم هل فى كل الحالات يمكن خفض التضخم من خلال رفع سعر الفائدة أم لا؟.. وللإجابة على السؤال فإن ذلك يستدعى منا أن نشير إلى أن:

التضخم نوعان:

الأول: التضخم المدفوع بالطلب:

ويعنى زيادة الأسعار الناتج عن زيادة السيولة فى الشارع

الثانى: التضخم المدفوع بالعرض:

الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد، فيتم تمرير الزيادة فى التكاليف إلى المستهلك فى شكل زيادة فى الأسعار.

 

وبالتالى فإن رفع سعر الفائدة يكون أداة فعالة، عندما يكون التضخم مدفوعا بالطلب، وبالتالى يمكن التعامل معه بالسياسات النقدية التقليدية برفع الفائدة، فالهدف من رفع سعر الفائدة هو سحب السيولة من المواطن، الذى يتجه لوضع فوائض الأموال والمدخرات التى فى حوزته، إلى الأوعية الادخارية بأنواعها المختلفة بالبنوك، بما يسهم فى تقليل حجم الكاش – النقدية – مع المواطنين وتقليل الطلب على السلع والخدمات وبالتالى انخفاض أسعارها أى خفض مستوى التضخم، الذى يعد هدفًا أصيلًا للبنك المركزى

 

لكن باعتراف البنك المركزى نفسه، فإن التضخم الحالى ليس ناتجا عن زيادة الطلب وإنما بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج والاستيراد بعد تعويم العملة، حيث قال بيان البنك الصادر أمس، إن ارتفاع التضخم نتيجة للإصلاحات والإجراءات الهيكلية التى تم اتخاذها، بتحرير سعر الصرف وبدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وخفض دعم الوقود، ورفع الجمارك على بعض السلع، وهو ما يعنى أنه تضخم ناتج من ارتفاع تكلفة.

 

أى أن البنك المركزى يعترف بأن التضخم الحالى ناتج عن قرارات اقتصادية وليس من زيادة الطلب، التى تستلزم فعليا التدخل بالسياسات النقدية التقليدية مثل رفع سعر الفائدة، وهو ما عبرت عنه ريهام الدسوقي كبيرة المحللين الاقتصاديين لدى أرقام كابيتال فى التصريحات التى نقلتها وكالة بلومبرج بقولها إن قرار المركزي يمثل الحل التقليدي لارتفاع التضخم، ولكن البيانات الحالية وضعف انتقال آليات السياسة النقدية إلى الاقتصاد لا تدعم قرار رفع أسعار الفائدة.

 

لكن هل تتأثر البورصة بقرار رفع سعر الفائدة؟

القرار لن يؤدى –فى الغالب- لسحب السيولة من البورصة.. فقط تأثيره سيكون وقتيا، فرغم أن رأس المال يرغب فى الحصول على عائد مرتفع مع مخاطر منخفضة، ورفع سعر الفائدة يعنى اتجاهه إلى البنوك التى تقدم رأس مال عائد مرتفع ومخاطر منخفضة، لكن رؤوس الأموال تم إيداعها فى شهادات مرتفعة العائد منذ خلال الأشهر الماضية.

 


 

وهل هناك فوائد للمودعين؟

 

لن يكون هناك قرار جديد بإصدار شهادات ادخار مرتفعة العائد عن الحالية "16% و 20%"، والتى جذبت خلال 6 أشهر مضت أكثر من 450 مليار جنيه، وما حقق المستهدف منه الفترة الماضية، وهى نسبة مرتفعة فعليا، وبالتالى فإن النسبة الحالية 16 % و20 % مازالت مغرية لجذب أموال المودعين و"تحت البلاطة".

الأوعية الادخارية الأخرى "حسابات التوفير والودائع لأجل"، سيرتفع سعر الفائدة عليها تقريبا ما بين 1 و2 % عن مستوياتها الحالية، وبالتالى ستكون جاذبة للمودعين.

 

هل ستتضرر الموازنة من القرار؟

بالتأكيد، الدولة هى المتضرر الأكبر من رفع أسعار الفائدة، فقرار البنك المركزى يرفع سعر الإقراض الداخلى للحكومة لسد عجز الموازنة ليتجاوز ال20 %، فى عطاءات أذون وسندات الخزانة المقبلة، وهو ما يعنى أن موازنة العام المالى الجديد 2017/2018، التى كانت تستهدف خفض عجز الموازنة وتقدر العجز الكلى فى الموازنة بـ370 مليار جنيه، ستعانى من تكلفة الإقتراض، مما يعنى مليارات إضافية على بند خدمة الدين، بما يزيد من مستويات العجز، ويصعب من تحقيق المستويات المستهدفة.

 

ما تأثير القرار على الدين العام؟

 

القرار سيؤدى لزيادة الدين العام، حيث ستزيد تكلفة اقتراض الحكومة من البنوك عند طريق أدوات الدين الحكومية "أذون وسندات الخزانة".

 

ما تأثير القرار على الاستثمارات؟

القرار غير مناسب لرجال الأعمال، وسيؤدى لعزوف المستثمرين عن الاقتراض من البنوك بسبب ارتفاع سعر الفائدة، إذ أنه يتسبب فى ارتفاع تكلفة الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وحتى إذا قرر المستثمرون تحمل التكلفة المرتفعة، فإن ذلك يزيد من تكلفة الإنتاج، بما لذلك من تبعيات قد تؤدى لارتفاع الأسعار وبالتالى مزيدا من التضخم وليس كما يستهدف البنك المركزى، وبما لذلك أيضا من تبعيات قد تؤدى إلى الركود وتوقف النشاط الاقتصادى.

 

هل تتأثر تكلفة إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة من البنوك؟

المشروعات الصغيرة والمتوسطة لن تتأثر بالقرار إذ سيظل معدل الإقراض عند معدله المحدد من قبل 5 % طبقا لمبادرة البنك المركزى.

 

من المستفيد الأكبر من رفع سعر الفائدة؟

رفع سعر الفائدة فى مصلحة المستثمر الأجنبى، الذى يستثمر فى "أذون الخزانة " ، ويرغب فى أرباح سريعة ومضمونة، وهى ما يطلق عليها "الأموال الساخنة"، لأنها تحصد الأرباح وتخرج سريعا، ولا تضخ فى شرايين الاقتصاد أو فى القطاع الصناعى.

 

إذن متى ينخفض التضخم؟

ينخفض التضخم المدفوع بالعرض، الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد، من خلال دوران عجلة الإنتاج التى يتبعها نشاط الحركة التجارية وتوسيع مجالات الاستثمار.