اغلق القائمة

الأحد 2024-04-28

القاهره 04:09 ص

حسين مرعى الملحق الثقافى المصرى فى اليونان

حسين مرعى يكتب: الصداقة المصرية - اليونانية.. جسور ثقافية تاريخية

الجمعة، 01 ديسمبر 2017 06:00 م

مع إعلان مصر واليونان العام 2018 عامًا للصداقة بين البلدين، الأمر الذى يعكس ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين والتقارب على مستويات عدة دبلوماسية، اجتماعية واقتصادية تجارية وثقافية، الأمر الذى عبر عنه بعض المسئولين اليونانيين البارزين بأن العلاقات وصلت لمستوى عالى من التفاهم والتعاون بلغ ذروته فى العام 2016.
 

 
وفى هذا الإطار فقد لعبت الثقافة دورا مهما وحيويا فى توطيد العلاقة بين شعبى البلدين، والتى تعد من أقدم العلاقات بين شعبين عرفها التاريخ، وما يدعو للتأمل هو استمرار هذه العلاقة المتميزة منذ بدايتها قبل الميلاد وحتى العصر الحديث، فالإرث الثقافى المشترك بين البلدين والعلاقات المصرية مع سكان الجزر اليونانية وخاصة فى محيط بحر ايجة وجزيرة كريت فى عصر الأسرة السادسة والعشرين فى مصر خلال القرنين 7-6 قبل الميلاد ومرحلة الازدهار بدخول الإسكندر الأكبر مصر وتأسيسه لمدينة الإسكندرية ثم مع إنشاء مكتبة الإسكندرية منارة المعرفة فى العالم القديم خلال العصر البطلمى بقرار من بطليموس الأول) 367 ق.م.-283 ق.م.) ثم استكمالها ونهضتها على يد مؤسسها الفعلى بطليموس الثانى (285 ق.م.-247 ق.م.) بما تضمنته من آلاف المجلدات والمخطوطات وعلمائها البارزين أمثال أريستارخوس وإقليدس وأرخميديس وأمينها الشهير كاليماخوس، واتبع البطالمة سياسة الاحترام الكامل تجاه الديانة المصرية القديمة.
 
 
كما انتشرت فى بلاد الإغريق عبادة المعبودة المصرية "إيزيس" ولا تزال بقايا معابدها وتماثيلها فى عدة مدن يونانية شاهدة على هذا التأثير العقائدى المتبادل. ومع اختلاط الفلاسفة اليونانيين مع كهنة المعابد المصرية وحدوث امتزاج للفلسفتين المصرية غير المكتوبة من جانب واليونانية من جانب آخر بالغ الأثر فى أن تصبح الإسكندرية أشهر مكان لدراسة الفلسفة والعلوم فى منطقة البحر الأبيض المتوسط فى العالم القديم وأثرت على مدار تاريخها فى عدة أجيال من المبدعين اليونانيين بداية بكاليماخوس ومرورًا بقسطنطين كفافيس (1863-1933)، وطبقًا لآراء تاريخية فإنه خلال الفترة البطلمية كان يقدر أن 30% من سكان الفيوم كانوا يونانيين، والباقى هم من المصريين الأصليين.
 

كفافيس
 
ومع تمخض فكرة إحياء المكتبة من جديد كان لليونان دور مهم منذ إعلان أسوان فى العام 1990، وكذلك من خلال المؤتمرين الذين عقدا فى أثينا تحت رعاية اليونسكو عامى 1996 و1998 لنفس الغرض.
 
 وقد لعبت الجغرافيا كذلك دور كبير فى التقارب الفكرى والثقافى والتجارى بين البلدين فيذكر الشاعر الإغريقى الكبير أوميروس أن الرحلة بين جزيرة كريت والسواحل المصرية كانت تستغرق خمسة أيام. 
 
ومع بدء تأسيس الجمعيات اليونانية والتى كان أولها بالإسكندرية فى عام 1843 ثم فى غيرها من المدن المصرية دور هام لعبه رجال الجالية اليونانية فى الاقتصاد المصرى وبورصة القطن تحديدًا وتأسيسهم العديد من المدارس والمستشفيات والنوادى والمحال التجارية وغيرها فقد بلغت فترة ازدهار الجالية اليونانية فى ثلاثينات القرن الماضى وخاصة مع إنشاء صحيفة "اليونانى المتمصر" التى صدرت فى العام 1932 باللغتين اليونانية والعربية، إلى جانب الدور الهام لليونانيين فى صناعة السينما المصرية آنذاك وخاصة فن أفيشات الأفلام الذى جلبه اليونانيون إلى مصر، وكان اليونانيون أكثر الجنسيات الأجنبية ظهورًا فى السينما المصرية وهو انعكاس حقيقى لتلك الفترة. هذا وقد ُدشنت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين فى عام 1833 ثم وقعت مصر واليونان اتفاق ثقافى ثنائى فى العام 1956 والذى تم توقيع البرنامج التنفيذى له فى القاهرة فى العام 2006 والذى يتجدد كل ثلاث سنوات.
 
 
 
وفى عام 2002 تم التوقيع على بروتوكول ثنائى على تأسيس وتشغيل المراكز الثقافية، والتى اعترفت بموجبه كلا البلدين بعمل المركز الثقافى اليونانى بالإسكندرية ونظيره المصرى فى أثينا- الذى يحتفل مطلع العام 2018 بمرور 20 عام على تأسيسه بوسط العاصمة اليونانية أثينا كمنارة ثقافية عربية وليست مصرية فقط تعمل على مد جسور الترابط الفكرى والثقافى بين البلدين-، فضلًا عن تأسيس المركز الثقافى اليونانى بالقاهرة. وتلعب تلك المراكز الثقافية فى التقارب بين الشعبين من خلال التبادل الثقافى للفرق الفنية والمبدعين والمثقفين من كلا البلدين وكذلك فى صورة تفاهمات بحثية ومذكرات تفاهم مشتركة بين المؤسسات الأكاديمية من الجانبين. ويعد الاهتمام باللغتين العربية واليونانية أحد أهم ملامح اتفاقية التبادل الثقافى بين البلدين ويظهر ذلك فى المنح المقدمة كل عام من كل جانب سواء للمصريين لتعلم اللغة اليونانية بالجامعات اليونانية أو لليونانيين لتعلم اللغة العربية بمركز تعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها التابع لوزارة التعليم العالى المصرية. وصورة أخرى من ملامح الترابط الثقافى المصرى اليونانى كانت فى تدشين جائزة الشاعر كفافيس، وقد حصل على هذه الجائزة عدد من الأدباء المصريين على رأسهم الأديب العالمى نجيب محفوظ. وشكل آخر من التعاون المشترك يتمثل فى إنشاء مركز الإسكندرية للدراسات الهلينستية بتعاون مشترك بين مكتبة وجامعة الإسكندرية من جانب ومؤسستى ألكسندر أوناسيس وفاردينويانيس من جانب آخر. 
 
وتمثل حركة الترجمة المعاصرة للأعمال الأدبية من اللغتين العربية واليونانية لأعمال أدباء وشعراء كبار أمثال نجيب محفوظ وطه حسين -ومؤخرًا يحيى حقي- وقسطنطين كفافيس ونيكوس كازانتزاكيس عنصر هام فى التلاحم الثقافى بين البلدين. ولا ينسى المتابع للأحداث ما حدث صباح يوم 15 سبتمبر 1956 فى أعقاب تأميم قناة السويس حين انسحب المرشدون الأجانب فى حين كان للمرشدين اليونانيين موقف لا ينسى باستمرارهم فى العمل جنبًا إلى جنب بجانب المرشدين المصريين الذين تم تجهيزهم لهذا المهمة. وكذلك الدور الداعم للمواقف المصرية خاصة وقت تولى اليونان رئاسة الإتحاد الأوروبى مطلع العام 2014.
 
وبقراءة تاريخ العلاقات بين البلدين، يتأكد لنا أن العام 2018 سيكون امتداد حقيقى لتلك العلاقات التاريخية بين البلدين وما سيتضمنه من تأكيد لمعان كثيرة وتفاهمات فى مختلف المجالات وتبادل للزيارات وزخم فى الأحداث الثقافية فيما يمكن تسميته "جسور ثقافية ممتدة بين الأصدقاء".