اغلق القائمة

السبت 2024-04-27

القاهره 04:43 م

رشا الجندى

من أين لكم هذا؟!!

بقلم : د. رشا الجندى الجمعة، 06 يناير 2017 11:00 ص

هناك أناس يتولون قيادة آخرين، فيلوثون الصحة النفسية لهؤلاء الآخرين.. من أين لكم هذا!! كيف وصلتم لولاية أمور أناس وأنتم لا تعرفون معنى الإنسانية !!

بحكم عملى كدكتورة بالجامعة ففى أحد الأيام كنت أقوم بالإشراف على لجان امتحانات الطلاب، كنت أتفقد اللجان وانظر إلى الطلاب وأتذكر يوم كنت طالبة كيف كان تفكيرى وإحساسى، كانت هذه الذكريات تزيدنى حنانا وعطفا تجاه هؤلاء، وتجعلنى أتصور مستقبل كل منهما، وكيف يمكن لأى بلد أن يكون أجمل بلد فى العالم ينتابه السلام إذا تم استثمار براءة هؤلاء بالشكل النفسى الصحيح، أثناء هذه الحالة من الدراما العاطفية التى انتابتنى فإذا بإحدى الزميلات تمر على اللجان وتسحب ورقة الطالبة مباشرة بصوت مزعج قائلة ( يالا محضر غش اخرجى بره). هذه الجملة جعلتنى أخلع ثياب التخيل وأرتدى ثياب الواقع لأنظر إلى هذه الواقعة المزعجة. وبالفعل وجدت الطالبة تنحنى أمامها قائلة (أبوس أيدك والله نسيت أقفل الموبايل نسيت بس مش أكتر أبوس رجلك أرجوكى) تقول هكذا والدموع من كثرتها قد بللت ملابسها بالفعل.

 

عزيزى قارئ هذا المقال اسمحلى أن لا استكمل هذه الواقعة، لأن ما حدث بعد ذلك ليس هدف لكتابة هذا المقال، ولكن الهدف الأساسى هو حالة الذل وإهانة النفس التى تقبلتها الطالبة على نفسها وتسببت بها وتقبلتها عليها الزميلة المشرفة.. كيف لهذه الطالبه أن تحب التعليم فيما بعد؟ كيف ستحيا إنسانة عزيزة النفس؟ ماذا ستعلم أبناءها فيما بعد وتلاميذها عندما تصبح معلمة؟

ما سبق ليست الواقعة الفريدة فى مجال عملى أو فى مجال عملكم جميعا، فبالفعل جمعينا يشاهد مثل هذه الوقائع يوميا. نشاهد البشر وقد تحولوا لآلات كمبيوتر ينفذون الأوامر دون النظر إلى أن من أمامهم إنسان يمتلك مشاعر وقابل للخطأ والنسيان.

إن كنا جميعاً نريد السلام فلماذا لا يسلم من حولنا من شر أنفسنا وألسنتنا وأيدينا وقراراتنا؟؟!! إن كنا جميعاً يريد الحنان والحب لكى ينمو نموا سويا ويحيا بأمان فلماذا لا نمنح هذا الحنان والحب للآخرين ونرحم ضعفهم ونرحم كونهم إنسان قابل للخطأ والنسيان؟؟!! إن كانت العصا تمنح الخوف للآخر فلا يتجاوز القوانين أمامنا، فإن الحب والاحترام يمنحه حب القوانين والخجل من تخطيها أمامنا أو أمام نفسه، ولذا وضع بعلم النفس ما يسمى (العلاج بالحب).. واسمحوا لى الآن أن أطور هذا المسمى ليكون (العلاج بالاحترام)، فإن ولينا قيادة بشر فعلينا النظر لروح القانون قبل القانون، وإن تجاهلنا روح القانون فعلينا تطبيقه بدون إهانة للآخر سواء فى علو أصواتنا عليه أو إهانته معنويا باليد أو النظرات... الخ.

 

ولنعلم جميعا أن قمة الإنسانية أن نعامل الإنسان كإنسان سواء برىء أو مدان، ومن لم يكن بالأصل إنسان فلابد أن لا يتم توليته قيادة بشر أو التعامل معهم ولكن يمكن وضعه فى منصب يتعامل فيه مع أجهزة ومعدات، لنحمى المجتمع من العديد من المشاكل النفسية التى تتسبب فيما بعد لحدوث معظم الجرائم المجتمعية، التى نقف عاجزين أمامها وننتهى لتحويلها للطبيب النفسى، وعندما يسترجع الطبيب شريط حياة المجرم، يجد أنه ضحية لأم أو أب أو قيادة... إلخ لم تكن سوية نفسياً ولا تعرف كيف تقود آخرين ليصبحوا مفيدين للمجتمع وليسوا مجرمين.. والمدهش فى النهاية أننا قد نجد هؤلاء ينادون بشعارات السلام.. فعجباً لأناس يطالبون العالم بالسلام ويزرعون الجفاء والكرة والإهانة بالوجدان.