اغلق القائمة

السبت 2024-04-27

القاهره 10:47 ص

طارق زيدان وأسماء محفوظ ومصطفى النجار وعبد الرحمن القرضاوى

حازم حسين يكتب: 6 سنوات على 25 يناير .. ثورة شعب أم "ثورة تسريبات".. من المسئول عن الظاهرة؟.. اقتحام مقر أمن الدولة يدشن مرحلة جديدة فى الابتزاز.. والنشطاء يطلقون الخطوة الأولى فى ثقافة الفضائح.. الحلقة1

السبت، 14 يناير 2017 07:20 م

- شباب الثورة يسجلون لزملائهم.. والظاهرة تتوسع.. وتستهدف الحلفاء والخصوم والساسة والشخصيات العامة.. فمن يتحمل الفاتورة؟

 
6 سنوات انقضت منذ اشتعال الشرارة الأولى، أحرزت خلالها ثورة 25 يناير قدرًا غير يسير مما نادت به، نجحت فى أشياء وأخفقت فى أخرى، يظل أمر التقييم وتقدير نسب النجاح نسبيًّا ومتفاوتًا، بينما يظل الملمح الأبرز فى سنواتها الستّ، ملمح التسريبات.
 
منذ ساعاتها الأولى، وقعت الثورة بين أنياب ومخالب شتّى، ليست كلها من النظام القديم، المضاد لها بطبيعة الحال، الآن نقف على مسافة كافية من الحدث لنراه بموضوعية وخارج سياق العاطفة، كثير من المخالب، التى نهشت ثورة يناير كانت من المحسوبة عليها، والمشكلة ليست فيما جنته على تحرك شعبى يختلف الهاجع والناجع فى توصيفه، يراه البعض محض استجابة شعبية لظروف ضاغطة، ويراه آخرون مؤامرة صيغت فى مطابخ شتّى وظروف غير معلومة، ولكل فيما يرى موقف وهوى وحجة، الأثر الجانبى الأكثر فداحة كان فى تكريس بنية اجتماعية وثقافية مختلفة وطارئة على الواقع المصرى، لا تتورع عن توظيف أية أداة متاحة فى حلبة الصراع، ولا تقيم حرمة ولا قداسة للدوائر الشخصية والإنسانية، للحلفاء قبل الخصوم، وللشركاء قبل الغرماء، هذا أبرز ما تكشف عنه المراجعة الجادة والمتجردة لسيناريو السنوات الماضية.
 

عبد الرحمن القرضاوى

25 يناير.. تحرك الشعب وثورة التسريبات

من المحطة الأولى التى غادرها قطار الرضا الشعبى صباح الخامس والعشرين من يناير، يبدو أن وازع الثورة الجادة لم يكن حاضرًا لدى كل الركاب، كثيرون قطعوا تذاكر لأهداف أخرى، الآن يمكننا أن نراها ونلمسها، ولكن ماذا عن الصورة على الأرض فى 25 يناير؟
 
بينما تدفقت طوابير من البشر على الساحات والميادين، منحازة لعناوين اجتماعية وسياسية، كانت طوابير أخرى تستعد لمعركة من نوع مختلف، فى ميادين لم يكن لها أن تدخلها، فى أقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة، وصولاً إلى المقر الرئيسى فى مدينة نصر، الذى شهد ليلة طويلة مذاعة على هواء قناة «الجزيرة»، وسرقة وثائق، وتزوير أخرى، وتفاوضات وصفقات لاحقة بين الأصدقاء، الذين وقعوا على كنز لابتزاز شركاء دوائرهم ولىّ أذرعهم خلف ظهورهم، ووصل الأمر إلى تزوير وثائق لم تكن موجودة من الأساس، هكذا طُرحت أسماء رموز النظام إلى جوار أسماء النشطاء.
 

محطفى النجار
ليس تجنّيًا بالمرة إن قلنا إن ليلة مقر أمن الدولة كانت ليلة فاصلة فى تاريخ مصر، ليس لأنها أباحت كثيرا من الوثائق، التى لم يكن من الجيد والصحيح طرحها على المشاع، حتى وإن اختلفنا مع منطق وجودها من الأساس، ولكن لأنها دشّنت مرحلة جديدة من الصراع وآليات اللعب فى مضمار السياسة، مرحلة تقترب من القانون الشعبى «اللى تغلب به العب به»، سواء كان هذا اللعب نظيفًا أو لا، ليستمرئ اللاعبون لعبتهم، التى تخيلوها أداة ثورية لتعرية نظام، وتظاهرة شعبية تغزو غرف النوم وجلسات السمر وأثير الهواتف ووصلات الشبكة العنكبوتية، ومع استمرائهم للعبة تصاعدت الدراما فعلاً، بمنطقها الطبيعى لا بمنطقهم البسيط، فحضروا فى وقت لاحق أبطالاً لتسريبات أخرى، صنعها رفاقهم أو حصلوا عليها أو زوروها، لم يعد واضحًا الحقيقى من المزور.
 

ضربة البداية.. الطريق إلى الفضائح

انقلبت مصر على عقبيها قبل أسبوع، مع إذاعة الإعلامى أحمد موسى مكالمات هاتفية للدكتور محمد البرادعى، النائب السابق لرئيس الجمهورية المؤقت، وأحد من يعتبرهم طابور من نشطاء 25 يناير أبًا روحيا للثورة، المكالمات أحدثت دويًّا هائلاً بما تضمنته من آراء وانتقادات وملاحظات تصل حدّ السباب، من البرادعى لكثيرين من حلفائه وأصدقائه ودراويشه من شباب الثورة، كان صادمًا للبعض أن يرى «البرادعى» من يسبحون باسمه على هذه الصورة، بينما انقسم المتابعون بين مؤيد ومعارض، متعجب مما تضمنته التسريبات، ومتعجب من التسريبات نفسها، ولكن الحقيقة أن الدهشة كانت حقًّا وواجبًا قبل هذا بستّ سنوات، ولم يندهش المندهشون وقتها، لهذا تطور الأمر وأصبح حاضرا بشحمه ولحمه، كما أراده مستخدموه الأوائل وهلّلوا به.
 
حينما تحدث طارق زيدان، الناشط السياسى، مع قناة الجزيرة القطرية مساء يوم 5 مارس 2011، من داخل مقر أمن الدولة فى مدينة نصر، وهى القضية، التى حُقّق معه فيها بينما أفلت عشرات المقتحمين من التحقيق والحساب، لم يكن «طارق» ومن معه داخل المقر، ومنهم عدد من شباب الثورة البارزين وأعضاء الائتلاف، الذى ادّعى تمثيل 25 يناير ومطالبها بشكل رسمى، أنهم يدوسون فخّا قد يعصف بهم وبالثورة نفسها، حدث ما حدث ودخلوا المقر، نُهبت أوراق ووثائق عديدة، وبدأنا فى الأيام التالية نشهد نشرًا منظّمًا لصور من وثائق منسوبة لجهاز أمن الدولة، بعضها طال شبابا من رموز الثورة نفسها، فردّوا مكذّبين الوثائق، لندخل دوامة من النشر والنشر المضاد، ويخرج القطار من المحطة إلى غير رجعة.
 

إسراء عبد الفتاح
فى مرحلة لاحقة تطور الأمر، لعبة وثائق أمن الدولة لم تعد كافية بعد تطور الأحداث وتسارع الزمن، الفترة اللاحقة للثورة تحتاج إلى وثائق تخصّها لإصابة أكباد الخصوم وإبعادهم عن الحلبة، من هنا بدأ الرموز أنفسهم  يسجلون مكالمات أصدقائهم، ويسجلون جلساتهم الخاصة، وهكذا سمعنا مكالمة أسماء محفوظ مع «سوكا»، وإسراء عبدالفتاح ومصطفى النجار وعبدالرحمن يوسف القرضاوى، نجل القطب الإخوانى، وفقيه الأسرة الحاكمة فى قطر، رأينا جلسة ممدوح حمزة فى مكتبه، وصور عبدالحليم قنديل، وسمعنا تفاصيل اجتماعات عديدة وحوارات مختلفة لرموز ائتلاف شباب الثورة وعدد من الحركات السياسية والثورية، وأصبحت اللعبة مسلية للأبطال الجدد.
 

التسريبات.. ثقافة تبحث عن صاحبها

كان من الطبيعى فى الهوجة الأولى أن يعتصم النشطاء بالبرّ الأقرب والأكثر شعبوية وقبولا وقتها، وهو اتهام الدولة وأجهزتها، رغم أن المرحلة اللاحقة للثورة شهدت غيابا لهما، وأن انطلاق التسريبات من الأساس، باقتحام مقر أمن الدولة، استغل غياب الدولة، التى لو كانت موجودة ما وقع الأمر برمّته، بينما تضمنت تسريبات الإعلامى أحمد موسى لـ«البرادعى» تسجيلاً لمكالمة تجمعه بالفريق سامى عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، هنا يبدو أن فرضية تورط الدولة فى الأمر قد سقطت، أو لم تعد لها وجاهة الإقناع وتمرير الموقف فى أوساط المحبين والمنحازين لأصدقائهم النشطاء الأنقياء، وأصبحنا أمام حالة من الضبابية، ثقافة طارئة تبحث عن صاحبها.
 

اسماء محفوظ
هل التسريبات عمل غير أخلاقى وغير قانونى؟ الحقيقة لا يعنينا فى هذا المقام الاقتراب من هاتين النقطتين، فقد أوسعهما النقاد والمحللون والإعلاميون، من المستملحين للفكرة أو المشمئزين منها، شرحًا وإيضاحًا، وإذا فتحتنا مجال عيوننا سنقبض على صورة «إدوارد سنودن»، أحد أبرز الأسماء فى الواقع السياسى والدولى والإعلامى خلال السنوات الأخيرة، بتسريب برنامج "بريزم" الذى استخدمته الولايات المتحدة فى التجسس على دول وحكومات وأفراد، وتجربة موقع «ويكيليكس» ومئات الملايين من الوثائق، التى أطاحت بسياسيين وهزّت مراكز قانونية لشركات وكانتونات اقتصادية كبرى، وسنمر فى الطريق بـ«وثائق بنما»، العمل الصحفى الاستقصائى، الذى عمل من خلاله أكثر من 400 صحفى من عدة دول، لتحليل ما يقرب من 12 مليون وثيقة، على مدار 13 شهرا تقريبا، والتجربتان المذكورتان الأبرز ضمن ثقافة التسريبات عمليا، وشهدتها مدحا واعتراضات من أطراف عديدة، كل حسب ميله ومصالحه، ولكنهما فى النهاية كشفتا عن أسرار وأنهتا معارك وأزاحتا خصوما من حلبات صراع عديدة، وهو الأثر نفسه، الذى أنتجته تسريبات مصر عبر 6 سنوات من عمرها.
 
الحقيقة أن تتبع مسار ظاهرة التسريبات والتسجيلات، كانت وثائق أو مكالمات هاتفية أو فيديوهات أو صورًا، ليس أمرا صعبًا، يمكننا حصرها منذ بدايتها وعتبتها الأولى مساء 5 مارس 2011، بعد 40 يوما تقريبا على اشتعال شرارة الثورة، وهذا ما على مدار 6 سنوات، ضمّ مئات الوثائق وعشرات المكالمات الهاتفية والفيديوهات والصور، وحملت قائمته أسماء من اليمين واليسار، من المعارضة والموالاة، من شباب الثورة وعواجيزها، نفعلها من موقع الراصد لا الناقد، لهذا لا نصدر أحكام قيمة على أحد، ولا نفتح الملف على أرضية أخلاقية، تحركنا الرغبة فى فهم الصورة وإكمال تفاصيلها، وهذا الفهم والاستكمال ما سيلزم كل شخص طائره فى عنقه.
 
طارق زيدان
فى ملف «اليوم السابع»، نستعرض تاريخ ظاهرة التسريبات منذ بدايتها، أبرز محطاتها ورموزها، أهم ما شملته من تفاصيل، ما ثبت صحته منها وما تبين تزويره بشكل واضح، موقف المسربين الأوائل حينما انقلب السحر عليهم وطالهم، حجم ما أحدثته هذه التسريبات من تحولات فى الشارع المصرى، الرابحون والخاسرون منها، من توغلوا وتغلغلوا فى المشهد السياسى أو الثورى بسببها، ومن خرجوا من الساحة بضربة قاضية، لا ننكر أن لدينا أسئلة وافتراضات منطقية لم تسقط من أذهاننا، ولن تسقط، إمامها المنطق والعقل لا غرض ولا هوى، وما تحمله الصورة من تناقض بين شخص سرّب وثيقة أو مكالمة أو زورهما، فعل هذا بقناعة ورضا شخصيين، أو هلل له حينما طال خصومه، ويقف الآن ناقدًا ورافضًا ومستترا خلف راية أخلاقية، تناقض نراه ونلحظه ولم نستوعبه بعد، ولكنه لم يكن حاضرًا على خريطتنا ونحن نعد هذا الملف، عن أبرز موتيفة فى المشهد السياسى خلال السنوات الأخيرة، والذى ربما يحتاج لبحث ودراسة جادين، من متخصصين وعلماء فى علم النفس وعلم الاجتماع والاجتماع السياسى، ولكننا فيما يخصنا ويتصل بدورنا الإعلامى والمهنى، نبدأ الملف من موقع الإعلامى المتجرد، ونترك الأمر للباحثين، فانتظروا ملفنا الموسع والشامل عن ظاهرة التسريبات، بعد 6 سنوات من حضورها وتصدرها للمشهد السياسى والثورى المصرى.