اغلق القائمة

الإثنين 2024-05-06

القاهره 05:53 ص

شامبليون

ذات يوم.. شامبليون يكشف غموض اللغة الهيروغليفية ويفك أسرار حضارة مصر القديمة

يكتبها: سعيد الشحات الأربعاء، 14 سبتمبر 2016 10:09 ص

أمسك «جان فرانسو شامبليون» بأوراقه فى يده، وهبط مسرعاً على سلالم المنزل رقم 28 بشارع «مازارين» فى العاصمة الفرنسية باريس، وجرى نحو «أكاديمية الكتابات المنقوشة والآداب القديمة»، حيث يعمل شقيقه «جاك جوزيف»، وحين دخل مكتب شقيقه صاح: «المسألة فى حوزتى»،ثم سقط مغشياً عليه،حدث ذلك فى مثل هذا اليوم «14 سبتمبر 1822»، وكان شامبليون قد تمكن على التو من كشف غموض اللغة الهيروغليفية».
 
هكذا  يصف «روبير سوليه» اللحظة التى ستبدأ الإنسانية معها معرفة أسرار حضارة مصر القديمة، ويقدم  فى كتابه «مصر ولع فرنسى» ترجمة «لطيف فرج – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة». سيرة مختصرة عن هذا العبقرى واكتشافه المذهل: «كان شامبليون فى الواحد والثلاثين من العمر، لكنه قضى حوالى عقدين من الزمان فى دراسة اللغات القديمة، بدأ هذا العبقرى أبحاثه فى السن الذى يلعب فيه آخرون بالطوق، وذلك فى ظل رعاية واهتمام شقيقه الأكبر الذى يقوم بدور كفيله وأستاذه وأبيه وأمه،كانا لا يفترقان إلى حد أن الناس كانوا يتحدثون عن«شامبليون الصغير» و«شامبليون– فيجاك»، وكان الفارق بينهما 12 عاما.
 
يضيف«سوليه»: «بدأ جان فرنسوا شامبليون وهو فى سن الثالثة عشرة اهتمامه باللغات العربية والكلدانية والسريانية بعد أن درس اللاتينية والعبرية، وسرعان ما انكب على دراسة اللغة القبطية فى انتظار اكتشافه اللغتين الفارسية والصينية.
اجتذبته اللغة القبطية، وسرعان ما سيطرت عليه، هى من بقايا اللغة الشعبية للمصريين القدامى، ولم تعد تستخدم إلا فى الطقوس الدينية،كما أنها تكتب بحروف يونانية ممزوجة ببعض العلامات التى تعبر عن حروف صوامت غير منطوقة، ولا توجد علاقة بينها وبين الخط الهيروغليفى، فمنذ القرن الرابع لم يتم نقش كتابة واحدة بالخط الهيروغليفى فى مصر، ولا يستطيع أحد فك طلاسمها التى ذهب سرها مع آخر كهنة العصور القديمة».
 
استسلم «شامبليون الصغير» تماماً لدراسة اللغة القبطية، وينقل«سوليه»عنه:«كنت منغمساً فى هذه اللغة لدرجة أننى كنت ألهو بترجمة كل ما يخطر على ذهنى إلى القبطية،كنت أتحدث مع نفسى بالقبطية،ولفرط ما تفحصت هذه اللغة كنت أشعر أننى قادر على تعليم أحدهم قواعدها النحوية فى يوم واحد، ولا جدال أن هذه الدراسة الكاملة للغة المصرية تمنح مفتاح المنظومة الهيروغليفية،وقد عثرت عليه».
 
لم يحبس نفسه داخل إطار واحد، وإنما تنوعت اهتماماته بصورة مدهشة،كما كانت قدرته على العمل عجيبة: ”قام بالتوازى مع قواعد النحو القبطى بكتابة نبذة عن الموسيقى الأثيوبية، وبتحرير مذكرة عن المسكوكات العبرية، ودراسة«وصف جغرافى لمصر قبل غزو قمبيز»، يضيف«سوليه»: «كان شقيقه الأكبر يتابعه خطوة خطوة،ينصحه ويؤنبه ويعجب به ويمول مشترياته من الكتب،لا يمكن لأحدهما أن يعيش بدون الآخر،كانا يفعلان سويا كل شىء حتى التصرفات الخاطئة،كانت ميزة جان فرانسوا «شامبليون الصغير»عن منافسيه أنه كان مؤرخاً وعالماً باللغات الأجنبية وأخصائياً فى الجماليات فى وقت واحد،لم يكن مولعاً بالقراءة فحسب،ولكنه واسع الخيال ويستمتع بحاسة استبصارية،وكان من جنس المخترعين».
 
استوعب وهضم كل ما سبق اكتشافه أو تخمينه فيما يتعلق بالتوصل إلى فك أسرار اللغة المصرية القديمة، ومن ضمنها بعض التقدم الذى حصل بفضل حجر رشيد الذى اكتشفته الحملة الفرنسية على مصر «1798-1801»، وتم نقله إلى بريطانيا عام 1801 بعد توقيع معاهدة خروج الفرنسيين من مصر، يقول«سوليه»: «نعرف منذ القرن الثامن عشر أن أطر النقوش الموجودة فى المعابد المصرية تشتمل على أسماء الملوك، وتحقق بعض التقدم بفضل حجر رشيد المشتمل على ثلاث نسخ، إحداها باللغة اليونانية،والأخريان بكتابتين مصريتين هما الديموطية والهيروغليفية»، وتوصل«شامبليون» إلى أن الكتابة المصرية بخطوطها الثلاثة «الهيروغليفى – الكهنوتى – الديموطى» تنتمى إلى منظومة واحدة ولغة واحدة، فهناك خط مقدس للكهنوت، وخط عادى مكتوب باليد، وخط شعبى يستخدمه المصريون فى حياتهم اليومية، وعلى هذا الأساس شرع شامبليون فى معاينة نسخ حجر رشيد ليكتشف مبدأ الكتابة المصرية «ترسم تارة الأفكار،وطورا أصوات اللغة».
 
فى يوم 27 سبتمبر 1822 قرأ رسالته أمام «أكاديمية الكتابات المنقوشة والآداب القديمة» عن جزء من اكتشافه،وبعد عامين أعلن عن اكتشافه العلمى كاملاً فى دراسته «موجز المنظومة الهيروغليفية لدى قدامى المصريين».