اغلق القائمة

الإثنين 2024-05-06

القاهره 04:05 ص

جمال أسعد

لا تجعلوا التاريخ فتنة

بقلم جمال أسعد الثلاثاء، 13 سبتمبر 2016 03:00 م

التاريخ بشكل عام هو تسجيل لحياة الإنسان والإنسانية يبين كيف عاش الإنسان وكيف كانت علاقاته بالآخر الإنسان وكيف واجه الطبيعة وهذبها وتعامل معها، كيف تطور فكرا وسلوكا وعملا، كيف تعامل مع فكرة الدين والتدين وتقبله لفكرة الألوهية، كيف أدار الصراع الإنسانى الذى يتسم بالهيمنة والسيطرة، هذه هى المادة الخام للتاريخ التى يتم التعامل معها بشكل محايد وموضوعى، ولكن هذا غير التأريخ وهو قيام المؤرخ بتسجيل هذا التاريخ من خلال رؤية خاصة ولتأكيد مصلحة ذاتية عن طريق تحقيق وتفسير وتحليل التاريخ من زاوية بذاتها دون غيرها من الزوايا، ولذا نجد أن ما هو مكتوب من التاريخ يتم على هذه الأرضية وتلك الرؤية، نعم من حق كل واحد أن يقرأ هذا التاريخ كما يريد وحسبما يفسر، ولذلك نجد أن من أهم أسباب تأجيج المناخ الطائفى هو تلك القراءة للتاريخ، نجد كل طرف يفسر التاريخ ويقرأه بما يتناسب مع أفكاره ومعتقداته، فمثلاً واقعة الجنرال يعقوب ذلك الذى كون فيلقا عسكريا وانحاز لنابليون فى مواجهة الشعب المصرى، نجد التفسير من زواية الإسلاميين يصف يعقوب بالخيانة، والأهم يتم سحب هذه الصفة على عموم الأقباط فى الوقت الذى رفضت فيه الكنيسة سلوكه بل حرمته من الكنيسة، فى المقابل يرى فريق من الأقباط المتطرفين أن يعقوب بطلاً قوميا أراد أن يحرر مصر من الاستعمار العثمانى الإسلامى، وفى إطار هذا التفسير الطائفى نرى الآن من يقوم بتغذية الطائفية عن طريق سرد مغرض وغير موضوعى للتاريخ، فنجد من يتحدث عن أن مصر مسيحية وقد جاء الإسلام غزوا واحتلها واضطهد أهلها وغير لغتها وقضى على هويتها، فلا مانع من العمل على استرداد مصر المسيحية ووصل الغرض ببعض المنحرفين بلا مانع أن يتم ذلك ولو عن طريق التدخل الأجنبى. على الجانب الآخر يرى بعض المسلمين الذين يرددون وقائع تاريخية تكرس الفرز والاحتقان الطائفى، فنرى من يتحدث عن سقوط الأندلس ويسرد ويزيد ويعيد كيف تآمر مسيحيو الغرب والكنيسة ورجالها بخبث واستبداد على المسلمين والإسلام فى الأندلس، واصفين الكنيسة والمسيحيين بأقصى أنواع الإهانة والخيانة والغدر وكل صنوف الشتائم، هنا نقول: نعم هذا وذاك وقائع تاريخية لا ينكرها أحد، ولكن الإشكالية هنا هى الزوايا المتعددة ذات الأرضية الطائفية البعيدة عن الموضوعية فى قراءة تلك الوقائع، الشىء الذى يجب أن يكون مكانه قاعات البحث والدراسة، ولكن طرحه على العامة فى ظل ما نعيشه من طائفية فهذا تأجيج للطائفية وإيقاد لنار الفتنة وخطر على الأمن القومى، هذا الطرح وتلك القراءات لا تنتج غير الشحن والحماس والحقد والضغينة المتبادلة، فإما أن يتم ترجمة ذلك لفعل إرهابى ورفض الآخر ومحاولة التخلص منه، ومن لم يستطع ذلك يتراكم داخله الإحساس بالظلم والاضطهاد الذى يحول وحدة الوطن إلى تشرذم، وتقدمه إلى تخلف، فبالرغم من تلك الوقائع وأيا كان التاريخ فالآن مصر هى كل المصريين بجيناتهم المصرية وقدرهم ومصيرهم الواحد، فالمسلم والمسيحى مواطنا كان أو وافدا، الجميع حولتهم مصر إلى مصريين بلا مزايدة من أحد على الآخر، فالجميع كانوا مصريين من آمن بالمسيحية ومن ظل على العقيدة المصرية القديمة، وجاء الإسلام فأسلم من أسلم وبقى من بقى على مسيحيته وفى كل الأحوال الجميع مصريون فلا علاقة بالجنسية والدين، كما أن تغيير اللغة كان تطورا طبيعيا فرضته الظروف والتطور الإنسانى فى كل العالم، وإلا تصبح فرنسا بلاد الغال وأمريكا للهنود الحمر، فلماذا تحولون التاريخ إلى فتنة؟ حمى الله مصر من هذه الفتنة والفتانين.