اغلق القائمة

الأحد 2024-04-28

القاهره 09:18 ص

شيخ الأزهر

كفانا نهشا فى الأزهر.. حصار منارة الإسلام بين إهمال الدولة وهجوم المثقفين ومخططات المتطرفين.. لماذا افتعال أزمة تصريحات وزير الثقافة ضد تعليم الأزهر بالتزامن والاستقبال الحافل للإمام الأكبر بالشيشان؟

تحليل تكتبه زينب عبد اللاه الإثنين، 29 أغسطس 2016 12:32 م

مشهد يدعو للفخر استقبال شعبى ورسمى غير مسبوق لشيخ الأزهر بالشيشان يفوق استقبال الملوك والرؤساء ..الشعب الشيشانى يحتشد خارج المطار لاستقبال الإمام الأكبر مرددا عبارات الترحيب والتكبير، الجميع فى انتظاره عجائز وأطفال وشباب، حفاوة بالغة من الرئيس الشيشانى الذى أصر على أن يقود سيارة شيخ الأزهر بنفسه فى مشهد لم ولن يتكرر.

 

ولكن بالتزامن مع هذا الحدث الهام ثار الجدل حول ما نسب من تصريحات لوزير الثقافة حلمى النمنم واتهامه للتعليم الأزهرى بأنه راعى العنف وأن مناهجه سبب التطرف،  ويجب إعادة النظر فى توغل التعليم الأزهرى فى مصر.

 

هذا التصريح الذى أثار الأزهريين وغيرهم لأنه يطعن فى الأزهر الذى يتم الاحتفاء به عالميا وتعول عليه مصر والعالم فى التصدى للتطرف ونشر الإسلام الوسطى، مما دفع البعض للمطالبة بإقالة وزير الثقافة بسبب هذه التصريحات.

 

وعلى الرغم من أن النمنم نفى هذا التصريح جملة وتفصيلا وقال : " أنه يجلّ الأزهر ودوره التاريخى، ويرى أنه صوت الاعتدال ."، مؤكدا أن هناك إصرار على إحداث وقيعة بين الأزهر والثقافة، وأن هذه الوقيعة تخدم الإرهابيين والمتشددين، إلا أن الضجة التى أثارها هذا التصريح فى هذا التوقيت تؤكد التربص بالأزهر وتعمد تشويه صورته -حتى وان كان ذلك من خلال تصريحات مفبركة- فى وقت يحتفى به العالم ويبذل فيه شيخ الازهر جهدا كبيرا لإعادة مكانته عالميا بعد أن شهد هذا الدور تراجعا لأسباب كثيرة خلال الفترات السابقة.

 

عودة دور الأزهر ومكانته العالمية

وسبقت زيارة شيخ الأزهر للشيشان زيارات لدول الشرق والغرب لإعادة دور الأزهر ومكانته عالميا، ومنها زيارته لألمانيا التى شهدت حفاوة شديدة بالأزهر وشيخه الذى ألقى خطابا أذهل العالم أمام البرلمان الألمانى، وأظهر مفاهيم الأزهر الوسطية فى مقابل ما يحاول المتطرفون نشره من أفكار، وأجاب الأزهر عن كل تساؤلات الغرب حول القضايا التى يستغلها المتربصون للادعاء بأن الإسلام دين إرهاب  ومنها أنه انتشر بحد السيف ويدعو لحرب غير المسلمين، وعلى الأسئلة الشائكة حول حكم الردة وزواج المسلم بغير المسلمة وعدم زواج المسلمة بغير المسلم، وهى الزيارة التى شهدت ردود أفعال عالمية وحفاوة بخطاب الإمام الأكبر وما أظهره من صورة الإسلام الحقيقية الوسطية، وكانت ألمانيا قبلها تشهد حملة ضارية ضد المسلمين بسبب ممارسات التنظيمات المتطرفة.

 

كذلك زيارته لفرنسا التى شهدت استقبالا حار من الرئيس الفرنسى الذى تخلى عن البرتوكول الفرنسى مرتين ونزل على درجات سلم القصر الرئاسى مهرولا لاستقبال شيخ الأزهر ثم كررها فى وداعه، كذلك ماشهدته زيارة شيخ الأزهر لأندونسيا من حفاوة وترحيب يليق بمكانة منارة الإسلام .

 

ووسط كل هذا الجهد المبذول والمحاولات الدائمة لإعادة دور الأزهر العالمى نجده محاصر فى الداخل من عدة اتجاهات، أولها إهمال الدولة لملف الأزهر ودوره خلال سنوات طويلة، وتربص واستهداف المتطرفين ودعاة التشدد بالأزهر وأبنائه ومحاولة إضعاف دوره فى نشر الإسلام الوسطى لصالح نشر التشدد والتطرف فى العالم وليس مصر فقط،  فضلا عن هجوم المثقفين بين حين وأخر على الأزهر ومناهجه وادعاء البعض بأن هذه المناهج بها ما يدعم الإرهاب ويحض على التطرف على الرغم من أن هذه المناهج تربى عليها ملايين وأجيال داخل مصر وخارجها وكان الأزهر دوما منارة الفكر الوسطى والثقافة وقبلة العلم التى ترعاه فى شتى بقاع الأرض ويحج إليه وفود الدارسين من كل أنحاء العالم على مر العصور.

 

الأزهر المستهدف من الجميع

وبنظرة لما شهده الأزهر خلال الفترة الماضية نجد أن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر تسلم تركة ثقيلة من سابقه الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق، حيث كان الأزهر يعانى ضعفا داخليا وخارجيا وإداريا، ولم يكن الطيب يسعى للمنصب وكان يعرف ما ينتظره من مسئوليات عظيمة، وعرف أن مهمة ثقيلة تتعلق برقبته وهى إصلاح الأزهر، لذلك عمل على تطهيره من الداخل بالتوازى مع محاولة إعادة دوره العالمى .

 

وكان أهم ما واجهه الدكتور أحمد الطيب محاولة غلق "حنفية " التربح التى كان يستفيد منها عدد من موظفى الازهر وقياداته فى عهد الشيخ طنطاوى من أموال الأزهر وحتى من أموال الزكاة , لذلك تحمل الطيب  حربا  شنها  كبار  الموظفين والقيادات فى السر والعلن .

 

وحرم الطيب على نفسه البدلات المخصصة لشيخ الازهر والتى كانت تقترب من 70 ألف جنيه شهريا وقت توليه المنصب، وامتنع عن قبول أية هدايا او جوائز، حتى أنه حين منحه الملك عبدالله ملك الأردن درجة الدكتوراة الفخرية اضافة إلى جائزة مالية، لم يحتفظ بهذه الاموال وتبرع  بها لطلبة البعوث الإسلامية ,كما رفض أن يتم علاجه فى الخارج حين احتاج لجراحة بالقلب على نفقة الدولة أو على نفقة الأزهر كما هو معتاد وأصر أن يكون ذلك على نفقته الشخصية

 

وواجه الأزهر وشيخه حربا شديدة فى عهد الإخوان وصلت إلى حد تحريض شباب الجماعة على التظاهر ضده والتطاول عليه واقتحام مشيخة الأزهر، كما شن عليه الاخوان والسلفيين ومشايخهم حربا منظمة وهاجموه هجوما شديدا محاولين تشويه صورته، واختطاف الأزهر ليكون تحت سلطتهم كما اختطفوا مصر، حتى أنهم اقترحوا أن يسمح لمن ليسوا من أبناء الأزهر  تولى مشيخة الأزهر ومنصب الإمام الأكبر،ولكن علماء الأزهر وشيخه صمدوا امام هذه المحاولات وتعامل شيخ الأزهر معها بحكمة شديدة ودون أن ينجرف لمهاترات الجماعة ومشايخها.

 

 كما قابل الطيب دعوات انتخاب شيخ الأزهر بالترحيب مؤكدا استعداده لإجراء هذه الانتخابات وأنه سيشارك كأى عالم من علماء الأزهر فى التصويت.

 

وفى اطار سعيه لإصلاح الأزهر شكل الطيب  لجنة قانونية متخصصة لمراجعة القانون 103 لسنة 1961 لمواجهة ما تعرض له الازهر من ضعف وانكماش ,ولإيجاد منطلقات قانونية جديدة تحقق للأزهر استقلاله، وتكفل تطوير مؤسساته، وتضمن نزاهة اختيار شيخ الأزهر بالطريقة التى ترتضيها هيئة كبار العلماء.

 

ومع تولى الرئيس السيسيى الحكم أدرك أهمية دور الأزهر الذى عانى إهمالا وتهميشا خلال سنوات سابقة، ولم يلق ما كان يلقاه من اهتمام، وإدراك لدوره فى حفظ مكانة مصر  التى يعرفها شعوب بعض الدول بأنها بلد الأزهر قبل أن يعرفونها بأنها بلد الأهرام، فأوكل السيسى للأزهر مهمة تجديد الخطاب الدينى وانتصر للأزهر فى عدد من المعارك التى حاول البعض سحب الريادة منه فيها، وأكد الرئيس على ضرورة وحدة علماء الأزهر  فى مواجهة التشدد .

 

أدرك الرئيس كما أدرك شيخ الأزهر أن أزهرنا يمكنه إعادة  قوة مصر الناعمة فى الخارج التى أدركها عبد الناصر فكان الأزهر مصدر  قوة مصر فى أفريقيا، فأنشأ مدينة البعوث الاسلامية واستقبل الالاف من أبناء افريقيا من خلال منح دراسية مجانية ومبالغ شهرية تمنح لهؤلاء الدارسين، وأرسل بعثات من علماء الازهر لنشر الإسلام الوسطى فى العالم، وهو ما يحاول شيخ الأزهر إعادته الأن .

 

 وتمكنت مصر عن طريق الأزهر من التصدى  للغزو الثقافى الفرنسى لدول أفريقيا  التى تراجع دوره فيها  فى السبعينات بسبب نظرة الاستعلاء السياسية  لهذه الدول، وتراجع دور الازهر الذى يرجع بالأساس إلى تراجع ميزانيته وحجم ما ينفقه على هذه المهام وعلى العلماء المبعوثين إلى هذه الدول، مما أدى إلى تصاعد الدور الصهيونى، وهو  ما أثر على ما نحن فيه من مشكلات بسبب سد النهضة الذى بنى برعاية اسرائيلية وبسبب غياب الدور المصرى فى أثيوبي.

 

شيخ الأزهر وعلماءه  يدركون ما يحيط بأزهرنا من مخاطر وما  يقع عليهم من مسئوليات، لخصها أحمد الطيب فى حواره إلى أوائل الثانوية الأزهرية محذرا من تلك المخاطر ومشددا على هذه المسئوليات حيث أكد لهم أن هناك جهات لاتريد الخير لمصر لذلك تسعى لإسقاط الأزهر الذى يرعى الاسلام الوسطى فى مصر والعالم  وشراء أبنائه بالمال لنشر التطرف، ونبههم إلى أنهم قد يجدون من يحاول استقطابهم بتوفير المال والسكن والكتب وحتى الزواج، وحذرهم من الجواسيس والمندسين بينهم.

 

ما يدركه شيخ الأزهر يجب أن ندركه جميعا ونساعده على مقاومته، فالحرب على الأزهر  شرسة، تمثل حربا على وسطية الإسلام، وهزيمته فيها تعنى هزيمة الوسطية أمام التطرف، وهو ما سندفع ثمنه جميعا فى مصر والعالم غاليا من أرواحنا ودماءنا، إنها حرب حياة أو موت، فكفانا نهشا فى الأزهر ولنساعده فى حربه التى يخوضها من أجلنا حتى وإن كان بالنصح والتوجيه والنقد البناء، ولندرك أننا نمتلك فيه قوة أكبر من قوة الجيوش ويمكننا من خلاله  أن نحظى باحترام العالم وننال مكانة لا ينالها غيرنا.