اغلق القائمة

الأحد 2024-04-28

القاهره 01:49 ص

د.أيمن رفعت المحجوب

ظواهر اقتصادية موسمية

د.أيمن رفعت المحجوب الخميس، 07 يوليو 2016 10:00 م

ومضى شهر رمضان الكريم هذا العام فى حالة من استمرار زيادة الاستهلاك العام للشعب المصري رغم كل الظروف الاقتصادية الدقيقة التى تمر بها البلاد. بحيث زاد الاستهلاك من السلع الاستهلاكية بمعدل %30 أعلى من الشهر الماضى . الأمر الذي يجب أن نقف عنده لنحلل تقسيم الدخل بين الاستهلاك واللادخار لدى المواطن المصري حتى يمكننا أن نقف على كفاءة توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي بالصورة التى تحقق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتوفر حياة أفضل لجموع الشعب. وان كنا نريد قياس كفاءة سياسة إعادة توزيع الدخل القومي في مصر وأثرها على فئات المجتمع المختلفة ، وجب علينا أن ننبه إلى حقيقتين ، أولهما ؛ أن كل فئة إجتماعية ذات دخل معين لها ميل حديّ للاستهلاك خاص بها ، وهو ما يحدد تقسيم دخلها بين الاستهلاك والادخار (إن وجد شىء من الادخار لديها) . وثانيهما؛ أن كل فئة اجتماعية لها نمط استهلاكي خاص بها أيضاً ، وهو ما يحدد طريقة تقسيم دخلها بين مختلف أنواع السلع الاستهلاكية.

ولاشك أن اختلاف الميل للاستهلاك ، واختلاف نمط الاستهلاك من فئة اجتماعية الى أخرى يحكمان الاثار الاقتصادية المترتبة على إعادة توزيع الدخل القومي في نطاق الاستهلاك. بحيث يتوقف حجم الاستهلاك على مستوى الدخل وعلى الميل للاستهلاك. ويعتبر الدخل المتغير الأساسي الذي يحدد الاستهلاك . ونظراً للطبيعة الانسانية ، ولما تقدمه الممارسة من الحقائق الاجتماعية ، إلى أن الأفراد يتجهون إلى زيادة استهلاكهم حينما تزداد دخولهم ، ولكن بقدر أقل من الزيادة في الدخل. وهذا هو القانون النفسي الأساسي الذي اعتمد عليه التحليل الاقتصادي ، وأخذه كقاعدة عامة , فى أن المجتمع عند ارتفاع دخله الحقيقي ، فزيادة استهلاكه تأتي بنسبة متناقصة تدريجياً من الدخل ، وهو ما يعني انخفاض الميل للاستهلاك مع ارتفاع الدخل.

وحتى يمكن أن نقيس أثر إعادة التوزيع في حجم الاستهلاك ، يجب أن نفترض ثبات العوامل الشخصية والموضوعية بحيث يتوقف الاستهلاك على حجم الدخل فقط فى كيفية توزيعه بين مختلف فئات المجتمع. ويترتب على انخفاض الميل للاستهلاك مع ارتفاع الدخل ايضا , نتيجة هامة في نطاق إعادة توزيع الدخل ، وتتمثل في أن المستويات المختلفة من الدخل تكون لها ميول مختلفة للاستهلاك ، فالطبقات الغنية يكون ميلها للاستهلاك منخفضاً ، بينما يكون الميل للاستهلاك للطبقات الفقيرة مرتفعاً. ولا شك في أهمية هذه الحقيقة بالنسبة لتحديد اثر إعادة توزيع الدخل بين الفئات الاجتماعية المختلفة في حجم الاستهلاك الكلي للمجتمع.

وفي ضوء ما تقدم يمكننا أن نخلص إلى أن إعادة توزيع الدخل بين مختلف فئات المجتمع ذات الميول المختلفة للاستهلاك لا بد أن تؤثر في متوسط الاستهلاك المجتمع ، كما نخلص أيضاً إلى كيفية تأثير إعادة توزيع الدخل في الاستهلاك ككل ، أي في حجم طلب الاقتصاد الكلي ، وفي حجم التشغيل والبطالة ومستوى الأسعار, وأخيراً في حجم الادخار القومي. وهذا كله يتوقف على الاتجاه الذي تتم فيه إعادة التوزيع (هل في صالح الأغنياء أم الفقراء). فتحويل جزء من الدخل من فئة اجتماعية إلى فئة أخرى ذات ميل مختلف للاستهلاك يعني تعديل طريقة استخدام هذا الجزء من الدخل (أي إعادة تقسيمة بين استهلاك أو ادخار) ، وهو ما يعرف "بالتوزيع الوظيفي".

وعلى ذلك فإن اثر إعادة توزيع الدخل القومي في الاستهلاك القومي ، وفي الادخار القومي إنما يتوقف على تصرفات الفئة التي يتم تحويل الدخل منها وإليها. أي يتوقف على الميل للاستهلاك لكل من هاتين الفئتين. ومعنى ذلك إذن أن الأثر الأوليّ في الاستهلاك لإعادة توزيع الدخل بين فئتين ، وهو ما نسميه "بأثر الدخل" ، ويتوقف على الميل للاستهلاك لهاتين الفئتين. ويكون الأثر ايجابى أو سلبى تبعاً لما إذا كان الميل للاستهلاك للفئة المحول إليها ذالك الدخل , أكبر أو أقل من الفئة المحول منها. فإذا كان في اتجاه الفقراء (يكون الميل للاستهلاك موجباً) وإذا كان في اتجاه الأغنياء (يكون الميل للاستهلاك سالباً). وأمام هذا الاختلاف في ميول الاستهلاك للفئات ذات مستويات الدخول المختلفة ، يجب على الحكومة وهي بصدد قياس وتحديد أثر إعادة توزيع الدخل القومي في الاستهلاك ، أن تستنتج علميا اثرإعادة توزيع الدخل سوف يصب فى صالح من؟ وعلى حساب من؟ هل لصالح الطبقات ذات الدخول المرتفعة؟ (وهنا يزداد الادخار القومي ويقل الاستهلاك القومي) ، أم في صالح الطبقات ذات الدخول المنخفضة ( وهنا يزداد الاستهلاك القومي ويقل الادخار القومي) .

وعليه وجب على الحكومة معرفة اتجاه إعادة التوزيع في صالح أي طبقة وبدقة شديدة ، حتى تحدد مدى فاعلية سياساتها الاقتصادية ومدى نجاحها في تحقيق الغرض منها ، وإلا ما جدوى تطبيق أي سياسة اقتصادية غير محددة المعالم والأهداف ، فاعادة توزيع الدخل القومي ليس هدفاً فى حد ذاتها، بل تقليص الفوارق بين الطبقات وتحقيق العدالة الاجتماعية هما الهدف .

• أستاذ الاقتصاد السياسي والمالية العامة – جامعة القاهرة