اغلق القائمة

الأحد 2024-05-05

القاهره 07:43 ص

فاطمة ناعوت

من حشا الحزام الناسف بالشظايا؟

بقلم-- فاطمة ناعوت الأحد، 18 ديسمبر 2016 12:00 م

سؤالان:

الأول:

من هو الشخص الذى نسج السترة الانتحارية ودسّ المتفجرات والكرات الحديدية فى حشاياها، وحشا الشظايا والمسامير فى خزائن حزامها الناسف وركّب صاعقها وأوصل أسلاكها، ثم ساعد الإرهابى محمود شفيق، على ارتدائها وتحزيم خصره بالحزام، ليفجّر الكنيسة البطرسية مُزهقًا أرواح خمسة وعشرين شهيدًا وشهيدة؟
 

الثانى:

 
ماذا كان يفعل ذلك الإرهابى التعس عشيةَ المذبحة، قبل أن ينام ليلته عاقدًا العزم على التوجّه إلى الكنيسة البطرسية إن أصبح الصبح، ليضغط زر الصاعق فى حزامه الناسف فيقتل نفسه ومعه أكبر عدد ممكن من المسيحيين العُزّل لحظة صلاتهم فى دار عبادتهم صائمين ينتظرون عيدهم؟ وهل صادف أن قرأ آية فى القرآن تقول: «ولا تعتدوا، إن اللهَ لا يحبُّ المعتدين»؟
 
أجابت جريدة الأهرام عن السؤال الثانى فى عدد الجمعة 16 ديسمبر، فيما ورد فى اعترافات أحد المتورطين فى المذبحة، وهو المتهم رامى عبدالحميد، الذى آوى الإرهابى الانتحارى محمود شفيق داخل شقته بحى الزيتون، وذكر أن الانتحارى سهر ليلة الجريمة يستمع إلى فلاشة صوتية مسجّل عليها خطب «الشيخ» يوسف القرضاوى، الهارب إلى قطر، ويفتى فيها بأن العمليات الانتحارية ضد أقباط مصر المسيحيين وتفجير كنائسهم ونهب أموالهم واستباحة أعراضهم، إن هى إلا نصرٌ مبين للإسلام، وأن مرتكب تلك الخسائس مصيره الجنّة بأنهارها وعسلها ولبنها وحور عينها، وأقر رامى عبدالحميد فى ثنايا اعترافاته، بحسب جريدة الأهرام، بأن الانتحارى محمود شفيق بدأ منذ بزوغ الفجر فى الحديث عن النعيم الذى ينتظره فى الجنة، وبعدها تمنطق بحزامه الناسف وتوجّه إلى حرم الكاتدرائية قاصدًا لقاء حتفه وتفجير الكنيسة البطرسية.
 
هنا تتجلّى إجابة السؤال الأول، يوسف القرضاوى وأحمد النقيب وياسر برهامى ومحمد حسان وعمر عبدالرحمن ووجدى غنيم وأبوإسلام وخالد عبدالله إلى آخر القائمة التى نحفظها جميعًا عن ظهر قلب، لأنهم أثروا من دم مصر، وسكنوا القصور من قوت بسطائها الذين آمنوا بهم فصدّقوا أن المصريين جميعًا كفّارٌ مهدورة دماؤهم، فالمسيحيون مشركون بالله والمسلمون مرتدّون عن دين الله، وليس على دين الحق إلا هم: الفرقة الناجية التى تجاهد فى سبيل الله بقتل المشركين والمرتدين، وفق مزاعمهم المريضة، لهذا كانت جريمة الجمعة فى المسجد، ومذبحة الكنيسة يوم الأحد.
 
الجُناة فى مذبحة اليوم وكل يوم هم من يصرخون فى آذاننا: «المسيحيون مشركون كفّار، حرام أن تهنئهم فى أعيادهم، حرام أن تترحم على موتاهم، حرام أن تودهم أو تحبّهم، ليس لهم إلا القسط والبرّ».
 
أولئك هم القتلة الحقيقيون مفجرو الثمانى وخمسين كنيسة التى انتهت بالكنيسة البطرسية، الأحد الماضى، وما قبلها من كنائس وما بعدها، لا سمح اللهُ ولا قدّر، أولئك «المشايخ» الذين يحرّضون على قتل المسيحيين من فوق المنابر وعلى شاشات الفضائيات وعبر مكبرات الصوت وفى شرائط التسجيل المدعومة التى تملأ الأرصفة والأكشاك، هم الإرهابيون الحقيقيون الذين تغضّ الدولة عنهم الطرفَ، وتلقى القبض على أصابعهم من أمثال محمود شفيق ورامى عبدالحميد ومن شابههم، وما هم إلا أدوات رخيصة بلا عقل، تتحرك بتوجيهات وفتاوى أسيادها، القاتل الحقيقى هم أولئك الآمنون فى دفء وساداتهم فى القاهرة وفى الدوحة، الذين من فوق منابرهم يملأون القلوب بالقيح والصديد والبغض، ثم يصعدون على شاشاتنا ليشجبوا قتل قتلاهم، وهم يظنّون أننا لا نرى الدم السائل من أنيابهم والصديد المتقيّح فوق ألسنهم، أولئك هم القتلة.
 
إن كنّا جادين فى مجابهة الإرهاب، فعلينا محاصرة الإرهاب الفكرى مُفرّخ الإرهاب المسلح، علينا الاقتصاص من القتلة الحقيقيين بدلا من أن نُرضى ضمائرنا ونكتفى بالقبض على منفذ فتاوى عرّابيه، علينا توقيف مخرج الفيلم الدموى الهابط وكاتب السيناريو المتكرر، وليس الاكتفاء بالقبض على الممثل الأجير، إن كنّا جادين فى مكافحة الإرهاب فعلينا تنظيف مناهج التعليم من فخاخ الطائفية وسموم العنصرية المضفورة بين سطورها، فالإرهابى محمود شفيق، ومن على شاكلته، ليس إلا تلميذًا أتقن دروسه التى تلقّاها طفلا وطبقها شابًّا ككل تلميذ نجيب.
 
ثورة الشعب فى 30 يونيو 2013 لم تكن اقتصادية أو اجتماعية، إنما كانت ثورة ثقافية تنويرية تمردت على التخلف والتطرف الدينى الذى كانت تشعله الجماعات الإسلامية فى وجوهنا، كانت ثورة ضد السموم التى كان مشايخ الفتنة يبثونها فى عقول بسطائنا، والمغنم الرئيسى من تلك الثورة كان نجاة مصر من ويلات الفكر الجهادى التكفيرى الذى كان سيحول مصر إلى مركز من مراكز تصدير الإرهاب للعالم، كما سمعنا من تسجيلات أحاديث مرسى العياط مع أيمن الظواهرى وغيره من قيادات الجماعات.
 
أيتها الدولة المصرية.. أنتِ تحاربين الإرهابيين ذوى الأسلحة، وتدعمين الإرهاب الفكرى المتجسّد فى تلك الأفواه الصدئة التى تنفث سموم الكراهية فى مسامع الغافلين المجرمين الذين هم كالإسفنج يتشرب كل ما يغذيه من دنس وقذى، ثم يفرزه فى وجوهننا رصاصًا وقنابل ودماء. أيتها الدولة المصرية.. أنتِ تؤمّنين من يحرّضون على قتل المسيحيين، وتسجنين من ينادى بحقوقهم.