اغلق القائمة

الأحد 2024-04-28

القاهره 12:10 ص

د.إيمان رفعت المحجوب

الدين واحد ونحن متغيرون

د.إيمان رفعت المحجوب الأحد، 10 يناير 2016 10:00 م

أمسية عيد الميلاد فى كنيسة فى بلاد العم سام، دعانى لها "ريمون" مهندس مصرى شاب حصل هناك على دكتوراه فى اللاهوت وعمل قسيسًا فى تلك الكنيسة، دعانى ضمن مجموعة من الأصدقاء المصريين المقيمين، مسلمين ومسيحيين حيث لا فرق بين مصرى مسلم أو مصرى مسيحى كلاهما قبطى يلتقى الاثنان على مصريتيهما، يرتبطان فيها ويتحابان بها ويتصادقان عليها كعادة المصريين فى مصر أو فى أى مكان، فالمصرى فريد من نوعه لا يشبهه فى الشكل أو الروح أحد إلا المصرى مهما بعد به الزمان والمكان.

كان الحفل هادئًا راقيًا جميلاً تملأه الروحانيات والإنسانية العالية تغنوا فى حب السيد المسيح وأمه العذراء وسردوا قصة حياتهما وهجرتها به إلى مصر فى طفولته نحن نحب المسيح حبنا لمحمد عليهما السلام بكت عيناى على الأم الصغيرة فى محنتها وبكيت الطفل المهاجر المطارد وأبكتنى شدة الإنسانية والروحانيات كيف غير هذا الطفل حياة أمه ومن حوله، كيف غير الدنيا إلى يومنا هذا بما جاء به من حب ورحمة، ذكرتنى قصة طفولته وحمل امه بمحمد (ص)، يتيم قريش وفقيرها وما فى حياته من إنسانية وروحانيات لكن؛ بكل أسف؛ لا يهتم مسلمو العصر على عكس مسيحييه بتسليط الضوء على مثل هذه الروحانيات بالرغم مما لها من إيجابيات وعمق أثرها على النفس.

كان حفلاً دينيًا وقورًا، صلاة كلها عبارة عن شكر ودعاء وإطراء على السيد المسيح وأمه الصِّديقة العذراء لم يكن هناك صخب ولا عرى ولا سكر ولا فجور قد يُدَّعَى من أى نوعٍ على عكس ما نصور نحن عن الغرب، سلم الحضور على بعضهم البعض وتبادلوا التحية والتهانى وتمنوا لبعض الخير والسعادة دون سابق معرفة بينهم كما وصاهم القس تنفيذًا لتعاليم السيد المسيح لم يذكروا كلمة واحدة فيها أذى أو كره، لم يذكروا عدوًا ولا شيطانًا ولم يخصوا أحدًا بسوء ذكرٍ أو بشر الدعاء.

من يؤمن بموسى وعيسى ومحمد عليهم جميعًا السلام يجب أن يؤمن أن رسالاتهم التى أمرنا الله أن نؤمن بها كى يكتمل إيماننا واحدة " وَاَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك"، "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ، كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ، وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"، فما كان الله ليحل لهم شيئًا ويحرمه علينا أو يحل لنا شيئًا حرمه عليهم " كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ" أى أن نبى الله إسرائيل "يعقوب" هو الذى حرم على نفسه وليس الله وقال تعالى على لسان السيد المسيح "وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ" وعلى لسان السيد المسيح جاء فى الإنجيل إنه قال "لا تظنوا أنى أتيت لأُحل الناموس والأنبياء إنى لم آت لأُحل لكم لكن لأتمم" وفى قوله تعالى " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ".

جاء السيد المسيح بمثالية لم يحد عنها على النحو الذى يرضى الله وعلى الحال التى يريدها للبشر "حبوا أعداءكم"، "من ضربك على خدك الأيمن ادر له الأيسر"، "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"، "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، وحين سألوه عن الطلاق أجابهم قائلاً: "بماذا أوصاكم موسى؟ قالوا إن موسى قد أذن أن يكتب كتاب طلاق ويخلى، فأجاب يسوع وقال: إنه لأجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية ولكن فى بدء الخليقة ذكرا وأنثى خلقكم، لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا، فما جمعه الله لا يفرقه إنسان" نفس الكلام تمامًا فى الإسلام إذا تدبرنا آيات القرآن لوجدنا أن أول مراد لله عز وجل أن يتصالح الخلق جميعًا ويتسامحوا ويعفوا ويتحابوا وأن يدفعوا بالتى هى أحسن، وحتى حين فرض حد جلد الزانى والزانية أحاطه بالمستحيل وهى شهادة أربعة عدول شهادة عين مفصلة وينهانا فى الوقت ذاته عن التجسس وكأنه بذلك قد وضع شرطاً مستحيلاً لا نعرف أنه حدث على مر التاريخ وكأنه بهذا حدٌ لن يقع أبدًا خصوصًا إذا علمنا أن الرسول الكريم (ص) نهى فاعلها عن الاعتراف بما فعل وكلنا يعرف قصة ماعز والغامدية وكم راجعه الرسول كى يرجع وكم ردها كى لا يفعل وكيف نهى عن الاعتراف وكيف نهى عن الإخبار عنه، قال لهزال "والله يا هزال لوسترته بثوبك كان خيرًا ما صنعت به"، نزل القرآن والبشرية كلها تعدد الزوجات فحددها هو بل وربطها بشرط يكاد يستحيل تحقيقه كذلك وهو العدل وكأنه يعين بذلك زوجة واحدة درءا لشبهة الظلم بالإضافة لفكرة الضرر حسب رواية حديثه عليه السلام لعلى ورفض زواجه على فاطمة .

من الصعب على من يؤمن بمحمد (ص) أن يقتنع أن ما دعا اليه يختلف عما دعا إليه السيد المسيح وأن ما دعا إليه السيد المسيح غير ما دعا إليه محمد (ص)، فكلاهما خرجا من مشكاة واحدة، أو أن يؤمن أنهما يختلفان فيما دعا إليه الأنبياء من قبلهم، هكذا لم يخالف نبى نبيًا فالرب واحد، وما كان ليرسل الرسل إلا بشىء واحد، دين واحد كله له، نعبد إلهًا واحدًا لكنا نصنع الفوارق.

عيدكم عيدنا ومسيحكم مسيحنا كلمة الله وروح منه ونحن نحبه وأمه الصديقة اصطفاها الله وطهرها واصطفاها على نساء العالمين، نعبد إلها واحدًا وله الدين الواحد،عيد ميلاد مجيد وكل سنة وكلنا طيبين.
* أستاذ بطب قصر العينى.