اغلق القائمة

السبت 2024-04-27

القاهره 01:45 م

علا الشافعى

علا الشافعى تكتب: «بين السرايات».. خلطة شعبية تتفوق على «فذلكة» المثقفين.. كل عناصر المسلسل الفنية متقنة وحية وموظفة دراميا.. النجوم قدموا أدوارهم بخفة وصلت إلى قلب الجمهور

الثلاثاء، 07 يوليو 2015 11:23 ص

محروس، ومخلص، وسمر، وعادل حديدة، والمعلم سالم، وصباح، وقمر، وسليمان، والمعلم زينهم، وعلى، وشادية، ووليد، وغيرها من شخصيات مسلسل «بين السرايات»، ذلك الحى القديم الذى يجاور واحدة من أقدم جامعات العالم وهى جامعة القاهرة، تغوص الكاميرا فى أعماق هذا الحى، لتكشف الكثير من طبيعة الحيوات داخله، من خلال هذه الشخوص أو الشخصيات والتى تتحرك بخفة لتكشف لنا عن الكثير، ليس فقط «مافيا التعليم»، والفساد الذى يعشش فى تلك المنظومة، ولكن عن الأجمل والأكثر سلاسة، وهى حكاوى «البنى آدم» الذى تجبره الظروف على التكيف وممارسة أى مهنة أو عمل ليعيش «يوم بيومه».

قد ينظر البعض لمسلسل «بين السرايات» على أنه نسخة مكررة، واجترار لموضوعات وشخصيات نمطية للثنائى أحمد عبدالله، وسامح عبدالعزيز، واللذين سبق أن تعاونا فى العديد من الأعمال السينمائية والدرامية من بينها «الفرح»، و«كباريه»، و«الحارة»، وقد يذهب البعض إلى أنه لا جديد فيما يقدمه الثنائى، وأنهما باتا يتعاملان مع هذه النوعية من المعالجات الدرامية بمنطق «اقلب الشراب»، أو بطريقة المحترفين اللذين يجيدان اللعبة الحلوة دون روح.

فى رأيى المتواضع، فإن هذا الكلام يظلم فريق العمل كله بما فيهم الكاتب والمخرج وكل الفنيين. «بين السرايات» من المسلسلات القليلة التى تجد أن كل عناصرها متقنة وحية وموظفة تمامًا، «راجع الأزياء، والديكور، والإكسسوار، والموسيقى، والتصوير».. كل شىء حى ويساهم فى تطوير الدراما، لا يعيب الثنائى سامح وعبدالله تقديمهما لما نطلق عليه الدراما العرضية، والتى لا تعتمد فى بنائها على الصراع التقليدى فى الدراما من بداية ووسط ونهاية، بل إنهما قدما قماشة درامية عريضة، شخصيات كثيرة ومتنوعة تتصارع فيما بينها وتصارع نفسها، ومن يرى أن مسلسل «بين السرايات» هو مجرد استعراض لحياة شخصيات تتجاور فى حى سكنى وتتنافس فيما بينها فى تجارة الكتب والملازم ومساعدة الطلبة على الغش، غاب عنه الكثير، فالمسلسل فى ظنى  يساوى «دراما الحياة»، خصوصا أن كل تجربة للثنائى فى هذه المنطقة تحمل طزاجتها وجديتها وشخصياتها الحية البعيدة تماما عن التنميط، والأجمل بين الشخصيات، هم هؤلاء «البنى آدمين» الذين «يعافرون» فى الحياة، ويفعلون ذلك بحب ورغبة فى الاستمتاع مهما كان الظرف قاسيا، «راجع مشاهد شخصية مثل المعلم سالم، يجسده سيد رجب، كيف يهتم بعمله وكيف يذهب إلى البارات والكباريهات فقط ليبسط حاله ويشعر أنه على قيد الحياة، فأبناؤه جميعًا تركوه وسافروا ولا يفكرون فى السؤال عنه، ماعدا الأخيرة التى تزوجت وتعيش معه»، كان من الممكن أن يتحول الخط الدرامى لمثل هذه الشخصية إلى «مليودراما» فاقعة، ولكن الشخصية صاغها عبدالله بخفة لإنسان يرغب فقط فى أن يستمتع بما تبقى له من أيام فى الحياة.

الصراع المكتوم فى دراما البشر، الذى نستشعره ونحن نتابع أى عمل درامى، يجعلنا عادة ما نسأل أنفسنا «ما الذى نتوقعه من هذا العمل؟ هل يطرح قضية مهمة؟، هل يحمل مشاعر تتماس مع مشاعرنا؟.

هل يغازل جمهور بعينه؟، هل يجرى وراء موضة مثل مسلسلات الإثارة والتشويق؟، هل هو عمل تشاهده لمرة واحدة لأنك بمجرد أن تعرف اللغز المبنى عليه دراما العمل يفقد المشاهد الاهتمام به؟».

«بين السرايات» يحمل بعضًا مما سبق، ولكنه يتميز عن كل الأعمال المعروضة بأنه مسلسل أصيل، يحمل أصالة الشخصيات المصرية، يقدم ذلك الصراع المكتوم فى الحياة وفى مصر تحديدا، وبنظرة لنماذج من شخصيات العمل والتى أصر على وصفها بـ«غير التقليدية» والطازجة، سنجد أن «محروس» يجسده صبرى فواز، يعانى من صراع نفسى مكبوت بينه وبين نفسه، وصراع آخر  بينه وبين شقيقه الأكبر «مخلص»، يجسده باسم سمرة، وهو الصراع المفضوح  فى لغة العيون بينهما ولغة الجسد، فكيف ينظر محروس لشقيقه بطرف عينيه، انحناءة كتفه، وصراع آخر بين محروس وزوجته، كيف يريد أن يثبت لها أنه قوى وليس ضعيفا كما يصر شقيقه أن يصدر عنه هذا الانطباع للآخرين، «مشهد ضربه لزوجته بالقلم، ومشهد محاولة استرضائها»، أسرة «المعلم زينهم»، يجسده سامى العدل، وزوجته سلوى عثمان، وابنهما على، يجسده عمرو عابد، وهم نموذج للأسرة المصرية التى تكافح من أجل الحياة، «على» الذى يصارع من أجل حياة أفضل، ويحلم بأن يرتبط فقط بالفتاة التى يحبها، «قمر» تجسدها نسرين أمين، والتى لا يهمها شيئا سوى أن تشاغله، وتستغل مشاعره الصادقة فى أن يتقدم لها فقط، لكى تعرف «الحتة أو المنطقة» أن هناك «عرسان» يطرقون بابها، «مشهد أبيه عندما استولى على قميصه الذى اشتراه ليرتديه عند ذهابه لطلب يدها، ليس ذلك فقط بل إن والده ارتداه وسبقه إلى منزل قمر، مشهد على وهو يقنع والده بأن عمله فى بيع المذاكرات ليس مجديا»، «سليمان»، يجسده محمود حافظ، ذلك الشاب الجامعى خريج كلية الآداب  والذى يفضل أن يتكيف مع ظروفه، وأنه لا يجد عملا فيقوم ببيع الفئران والضفادع للطلبة فى حى بين السرايات بجوار الجامعة، "راجع تطور الشخصية "، وأيضا شخصية وليد التى يجسدها محمد الشرنوبى منذ لحظة دخوله الجامعة وتعرضه لسرقة موبايله فى واحد من أجمل مشاهد دراما رمضان، وسذاجته فى تعاطيه مع كل التفاصيل من حوله حتى علاقته بابتسام، تجسدها تارا عماد، وصولًا إلى تطور الشخصية ليصبح واحد من المتاجرين فى الكتب والمذكرات مع صباح».

الخلاصة ودون أى «فذلكة»، فإن مسلسل «بين السرايات» رغم بساطته، فإنه واحد من أكثر الأعمال الفنية ثراءً وتنوعًا من حيث الشخصيات والتركيبات الدرامية، استغل تفاصيل الحياة البسيطة داخل شريحة اجتماعية معينة، وخرج منها بصورة متكاملة وواقعية عن الأغلبية المطلقة من شعب مصر، الذى يناضل فقط من أجل الحياة.