المصريون والـ (دى جى) وضحاياه
كشفت واقعة اصطدام صندل نهرى بأحد مراكب التنزه فى نهر النيل ، عن إحدى كوارث العادات المصرية فى الاحتفال واصطناع البهجة باستخدام أجهزة الصوت العالى جدا المسماة (دى جى) ، ذلك أن السبب الرئيسى فى الاصطدام هو أن المراكبى الذى اصطحب عددا كبيرا من المحتفلين بالعيد على المركب ، أدار جهاز الـ (دى جى) على أعلى درجاته فى ظلام الليل ، فلم يسمع صافرة الصندل الذى اصطدم به وأغرقه بمن فيه ، ليلقى أكثر من أربعين إنسانا من ركابه حتفهم .
وهكذا صار الدى جى قاتلا جديدا فى مصر ، يتبناه ويرعى وجوده جمهور من الجهلة ومدمنى الإزعاج للفت الانتباه إليهم ، فالذى يفتتح دكانا صغيرا فى حارة صغيرة أوشارع ضيق ، لابد أن يعلن عن افتتاحه بتشغيل هذا الـ (دى جى) من أول الليل إلى آخره ، على أغنيات سخيفة فى موسيقاها وكلماتها وألحانها ، ليصم بها آذان سكان المنطقة بأكملها ، ويقلق مضاجع النائمين والمرضى والمتعبين والطلبة الذين يستذكرون دروسهم ، ودعك من قائدى السيارات من الصغار الذين يرفعون صوت الإستريو ليطغى على صوت موتور السيارة ويخرج منها زاعقا مريعا ، وانظر إلى الأطفال الذين يقودون التوك توك وهم يعربدون فى الشوارع الضيقة مستخدمين (دى جى) عاليا فى ساعات الليل المتأخرة وكأنهم يحرصون على إيقاظ الناس من نومهم فزعين مقهورين ، وإلى راكبى الموتوسيكلات بل والدراجات الهوائية الذين صاروا يتفاخرون بالصوت العالى المنبعث من أجهزة التسجيل التى يحملونها معهم .
والغريب أن أحدا من العقلاء أو كبار السن - ولا أقول أجهزة الدولة - لا ينهر فاعلى هذا الإزعاج المميت ، ولايوجه نصيحة إلى هؤلاء المزعجين أو ينهاهم عن ارتكاب هذا الفعل الذى صار قاتلا فى مصر بعد أن كان مزعجا ويهدد بإصابة الجميع بالصمم أو ضعف السمع على أقل تقدير.