اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 08:33 ص

د.يحيى القزاز

لابد من المصالحة.. وإلا فالخطر قادم

الثلاثاء، 02 يونيو 2015 08:00 م

زيادة مساحات الإرهاب فى العالم العربى، والنقلة النوعية للعمليات الإرهابية فى المملكة العربية السعودية، آخرها فى الدمام، يفرضان واقعا جديدا على المجتمع المصرى فى مواجهة الإرهاب، ويستلزم جبهة داخلية متماسكة قوية، وينتقل بحديث البعض -على استحياء- عن ضرورة المصالحة بين نظام الحكم وبين جماعة الإخوان الإرهابية إلى الجهر والعلن، حتى وإن رفض البعض مجرد سماع كلمة "المصالحة" واتهام من يهمس بها أو يعلنها بأنه عميل أو خائن. وفى السياسة الأمور ليست حدية. والعمل الثورى غير العمل السياسى.

الثورة تَعرف أعداءها وتُعرفهم بأنهم أعداء الثورة (ثورة مضادة)، والشرعية الثورية لا تؤمن إلا بالتغيير الجذرى، ولا تعرف لغة المهادنة ولا المصالحة مع أعدائها، وتظل تقاوم حتى النصر ولو طال الأمد، أما الشرعية الدستورية فهى تؤمن بالعمل السياسى، والسياسة لا تعرف التغيير الجذرى، ولا تعرف لا العداوات الدائمة ولا الصداقات الدائمة، لكنها تعرف لغة المصالح المشتركة والمساومات أحيانا، وترضى -فى الأزمات- بأنصاف الحلول.

الأصوات التى تطالب بالمصالحة ربما لديها قراءة نافذة، وترى خطورة الإخوان فى مواجهة الدولة، واستنزافها لمقدرات الشعب وقوة الجيش، وقد ترى أن المعادلة لا تستقيم بغير طرف الإخوان المناوئ مع الإدارة الضعيفة التى تعتمد فى معظمها على بقايا نظام مبارك، وفرضية المصالحة لاعلاقة لها بشرعية الإخوان فى الحكم بقدر مالها من وجود مزعج على أرض الواقع، وامتدادات دولية متشعبة، ودعم معنوى ومالى خارجى واضح ومستتر.

وعندما يتجاذب أطراف الوطن جماعة الإخوان، وتيارات مدنية غير راضية عن أداء النظام الحاكم، لدرجة وصلت حد الرفض والمطالبة بإسقاطه (حسب ما نراه منشورا على صفحات التواصل الاجتماعى)، حتى وإن كانت هذه التيارات قليلة وضعيفة جدا، فعلينا بإدراك الخطر، والواعى من لا يحتقر كيد الضعيف ولا يستهين بصغائر الأمور، وعظائم النيران من مستصغر الشرر، وماحدث فى 25 يناير و30 يونيه خير دليلين. وفى حالات الظلم يكرر التاريخ نفسه بالحرف بقيام هبات شعبية تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، وفى حالات الرقى والازدهار والاستقرار والديمقراطية يطور التاريخ نفسه للأفضل، وهنا تصح عبارة "التاريخ لا يكرر نفسه". بالإضافة إلى وجود غالبية خاملة من الشعب، بعضها داعم للرئيس السيسى (بدأ يصيبها التصحر)، لديها أمل فى الرئيس، وتوجس فى المستقبل مما تراه من سوء الحال وارتفاع الأسعار، غالبية أصابها الملل من عدم الشفافية، ومن وجود رجال مبارك -فى الحكم- الذين أفسدوا الماضى، ومازالوا يعيثون فى الحاضر فسادا، فالفساد والرشوة والواسطة والمحسوبية حاليا تفوقوا على عصر مبارك، ومن أفسد بالأمس لايصلح اليوم، ومن كان سببا فى إسقاط نظام لا يمكن أن يكون دعامة لإقامة نظام وطنى جديد.

هذا يعنى توسيع وتوزيع دائرة مقاومة النظام الحاكم بين متضادين فاعلين من ناحية، وغالبية خاملة متململة من ناحية أخرى، ويتعين على المقاوم (الفاعل السياسى، فالشرعية حاليا دستورية وليست ثورية) أن يعيد حساباته، ويتصالح مع أحد الطرفين (الإخوان أو التيارات المدنية المناهضة)، أيهما أكثر إزعاجا وإرهاقا له، ويرضى الأغلبية المتململة بتحقيق مطالبها فى "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والديمقراطية".

ليس أمام الرئيس السيسى إن أراد أن ينجح نظامه وتستقر دولته إلا أن يتصالح مع الغاضبين من التيارات المدنية قبل أن يتسع الفتق على الراتق ويتحول الغضب إلى رفض عارم يهدم ولا يبنى، ولنا فى الماضى القريب عظة وعبرة، وينحاز بوضوح لمبادئ ثورة 25/30 (وتعبير ثورة 25/30 ورد فى الدستور حرفيا أى ثورة واحدة بموجتين)، ويصدق فى وعوده، ويطهر الدولة من كل فلول مبارك، ويعلن انحيازا واضحا للفقراء من خلال سياسات لا لبس فيها، والابتعاد عن المستنزفين (المستثمرين) للدولة، والبحث عن استثمار جاد، أو يتصالح مع الإخوان لكى يواجه بهم التيارات المدنية، ويقضى على التململ الشعبى المكبوت باستخدام الجماعة فى توزيع السكر والزيت نيلا لرضا الشعب.

لابد من المصالحة.. إما مصالحة مع التيارات المدنية الغاضبة لمواجهة إرهاب الإخوان وحلفائهم، والعمل على إقامة دولة مدنية راسخة مستقرة دوما، أو المصالحة مع الإخوان من أجل استقرار الحكم مؤقتا وضياع الدولة المدنية مستقبلا . أخشى من المجهول فى ظل العناد.. وعندما تصم الآذان عن غليان المراجل المغلقة.. فالانفجار قادم لا محالة.