اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 04:40 ص

صورة أرشيفية

حــســــن زايـــد يكتب: عندما عادت مصر إلى أشقائها الأفارقة

الخميس، 26 مارس 2015 10:04 ص

لست من هواة.ـ ولا محترفى التطبيل والتزمير، وتصدر مواكب النفاق لأحد، كما أننى لست من هواةـ ولا محترفى ـ لطم الخدود، وشق الجيوب، وتصدر مواكب الجنائز لإهالة التراب على أحد، كما أننى لست ممن يسعون إلى التهويل، ولا من يسعون إلى التحقير والتهوين، أنا فقط ممن يرون الأشياء كما هى، وأهوى نقلها كما أراها، ومن هنا لن أعزو للرئيس السيسى فضل اكتشاف الظهير الأفريقى لمصر، ولا البعد الإستراتيجى للأمن القومى المصرى، الذى يمتد إلى أعماق هذه الأدغال والأحراش الأفريقية، فقد سبقه إلى هذه الرؤية حكام آخرون، منذ أيام الفراعنة، وقد كانت أول بعثة مصرية معروفة إلى إفريقيا ـ بلاد بنط، الصومال حاليًاـ فى عهد فرعون مصر ساحورع، ثم بعثة فى عهد الفرعون جد كا رع، ثم منتحوتب الثالث، ثم الملكة حتشبسوت، وقد كانت هذه البعثات تجارية، وقد حفظت ذاكرة التاريخ حملات عسكرية فى ذات الإتجاه، وفى العصر الحديث بعث محمد على برحلات استكشافية لمنابع النيل الإستوائية، وبالقطع فإن هذه الرحلات كانت تكتشف أيضًا الأقاليم التى يمر بها نهر النيل، ولا شك أن ثورة يوليه 1952 م ـ رغم ما تعرضت له من انتقادات فى هذا المجال ـ قد أدركت البعد التاريخى والجغرافى للقارة الأفريقية، وأهميتهما للبعد الإستراتيجى للأمن القومى المصرى، ومن هنا كان تحركها فى مساعدة حركات التحرر الأفريقية، والمساعدة فى تخليص دولها من الإرث الإستعمارى، التى رزحت تحت نيره لعقود طيلة، وقد كانت مصر صاحبة فكرة منظمة الوحدة الأفريقية، التى تحولت فيما بعد إلى الإتحاد الأفريقى الحالى، وما حدث بعد العهد الناصرى أن ولت مصر / السادات وجهها شطر أوروبا وأمريكا، وقد دعمت مصر / مبارك هذا التوجه، إلى حد أفضى فى النهاية إلى تحلل ارتباط الأفارقة بحب مصر التاريخى، وشعورهم بحالة الإستعلاء والكبر التى أضحت مهيمنة على سلوك مصر الرسمية تجاه بعدها الأفريقى، وفى أعقاب ثورة يناير 2011 م بدأت أثيوبيا فى انشاء سد النهضة، وبعيدًا عن النواحى الفنية ـ التى بالقطع لا يمكننا الإفتاء بشأنها، أو الاجتهاد فيها ـ أشيع فى أحسن الفروض أن هذا السد سيؤثر على حصة مصر من المياه تأثيرًا بالغًا سينتهى بنا إلى تعطيش مصر، خاصة فى ظل السعى الإثيوبى إلى بناء مجموعة أخرى من السدود، وقد عملت الميديا على هذا المف على نحو هستيرى وصل إلى حد أننا بصدد سدود ستدفع بأثيوبيا إلى بيع المياه لمن يريد أو يرغب، وقد جاء الاجتماع التلفزيونى الكارثى الذى عقده مرسى مع ممثلى القوى على الهواء مباشرة لوضع استراتيجية مواجهة مخاطر السد الأثيوبى، ليهدم ما تبقى من جسور الثقة فى حدها الأدنى التى تسمح بإجراء حوار كأحد الخيارات المتاحة، فضلًا عن الفرصة الذهبية التى قدمت لأثيوبيا ـ مجانًا ـ لتشويه صورة الموقف المصرى، بما يحول بين مصر وبين تشكيل تحالف دولى متعاطف معها على هذا الصعيد، يمثل سندًا وظهيرًا لها حال اتخاذ أى إجراءات أو تدابير تحول دون وقوع أى أضرار محتملة لمصر جراء استكمال بناء هذا السد، وقد ذهب هذا الإجتماع بالملف إلى طريق مسدود، وقد جرى وضع ظهر مصر إلى الحائط، وجاءت ثورة يونية لتجد مص نفسها فى مأزق ضرورة ترميم ما تم تصدعه من علاقات أفريقية سواء فيما بعد عبد الناصر، أو ما بعد مرسى، خاصة فى ظل وجود أياد دولية عابثة فى الملف الأفريقى، وعلى الأخص ملف المياه الذى يمثل قضية وجود بالنسبة لمصر، ولا يشغلنى كثيرا ما يجرى الاختلاف حوله بين الخبراء، عن الحلول والحلول البديلة المطروحة أمام متخذ القرار، وما يمكن تحقيقه، وما لا يمكن تحقيقه من خلال الحل الأمثل / النموذج، ولكن ما شغلنى حقًا هو تسليم الملف لمؤسسات الدولة للعمل عليه، واقتراح الحلول وطرح البدائل، واختيار الحل الأمثل فى ظل المعطيات المحلية والدولية الفاعلة، وهذا ما كنا نفتقده فى مصر، وهو الحضور الفعلى للعمل المؤسسى فى اتخاذ القرارات السياسية فى مصر، حيث تعمل المؤسسات ويعتمد الرئيس، ثم جاء تحرك الرئيس على الملف، ليفصح عن ملامح استراتيجية مصر الجديدة تجاه عمقها الأفريقى، ولعل منهجية التعامل مع ملف المياه وسد النهضة تعكس بوضوح ملامح تلك الإستراتيجية، فالتوقيع على إعلان المباديء كان تتويجًا لنشاط دبلوماسى مكثف، اعتمد فى الأساس على الدبلوماسية الناعمة، وقد شمل الإعلان على عشرة مبادئ: 1 ـ مبدأ التعاون، 2 ـ التنمية والتكامل الاقتصادى، 3 ـ التعهد بعدم إحداث ضرر ذى شأن لأى دولة .4ـ الاستخدام المنصف والعادل للمياه، 5ـ التعاون فى عملية الملء الأول لخزان السد وتشغيله السنوى، 6ـ مبدأ بناء الثقة .7ـ ومبدأ تبادل المعلومات والبيانات، 8ـ ومبدأ أمان السد، 9ـ ومبدأ احترام السيادة ووحدة أراضى الدولة .10 ـ مبدأ الحل السلمى للنزاعات، وكلها مباديء تتفق وقواعد القانون الدولى الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية.

وتحفظ فى ذات الوقت الحقوق والمصالح المصرية، فضلًا عن توفيرها آلية للتعامل بين الدول الأفريقية. وتعد هذه الوثيقة وثيقة دولية يمكن استخدامها حال تعنت الجانب الإثيوبى، ولعل منهجية التعامل مع ملف المياه، قد فتح الباب على مصراعيه أمام القوى المصرية الناعمة للولوج إلى القارة، وقطع الأيدى العابثة فى الظهير الأفريقى لمصر، باعتبار أن أفريقيا هى القاعدة الصلبة لمصر نحو الانطلاق إلى الآفاق الأرحب، بعد أن اهملناها، وتعلقنا بأذيال الأمريكان والغرب لعقود طويلة، فصرنا كمن رقص على السلالم، إن هذا الإتفاق هو بمثابة تدشين لمرحلة جديدة من التعاون والتنسيق، وخلق آلية لتسوية النزاعات، إن ما حدث ـ رغم أنك قد تجد بعض الاختلافات حوله ـ يمثل حالة إنعاش للذاكرة الأفريقية، ومحاولة استعادة الرصيد التاريخى الذى استودعته مصر قلوب الأفارقة، على مدار عقود.