اغلق القائمة

السبت 2024-04-27

القاهره 08:46 ص

صورة أرشيفية

محمود حمدون يكتب: تطابق الرؤية مع الفعل

الأربعاء، 09 ديسمبر 2015 12:00 م

ما أمتع أن يتطابق الواقع مع الرؤى المستقبلية التى صيغت من قبل، حتى عهد قريب كان الحديث بمصر عن تقنيات المعلومات والاتصالات من قبيل توظيفها فى تقضية وقت الفراغ للشباب أو كأداة إلهاء، باستثناء تطبيقات محدودة لها فى مجال الأعمال .

لم يدر بخلد المسئولين وقت التبشير بتقنيات المعلومات والاتصالات والتوسع فى خدمات الإنترنت المجانية، إمكانية توظيفها بمرور الوقت كأداة رقابة شعبية أو للتعبئة والحشد الجماهيرى.

لدرجة أصبح من الجائز القول بأن تلك التقنيات وبخاصة أدوات التواصل الاجتماعى أضحت ظهيرا شعبيا قويا فى مواجهة تغوّل السلطة التنفيذية ورقابة فعلية على الكثير من القرارات السياسية .

لدرجة أيقن الجميع سواء سلطة أو شعب أن تقنيات المعلومات وبخاصة التواصل الاجتماعى أضحت بمثابة جماعات ضغط إلكترونية أو رقمية، تُحدث ذات الأثر لجماعات الضغط التقليدية بالعالم المتقدم، وأنه يُحسب لشعوب العالم النامى وبخاصة مصر أنها تمكّنت من تطويع تلك التقنيات والأدوات لإحداث فوران سياسى لا يزال قائما .

أصبح من الجائز القول أيضا بقدرة تلك التقنيات والأدوات على إحداث حراك سياسى واجتماعى وثقافى ملحوظ بالمجتمع، لعل ما حدث ويحدث بمصر منذ يناير 2011 خير دليل على قدرة هذه التقنيات على التغيير، فمصر دولة استقرت قرب القاع لفترة قاربت الثلاثة عقود متصلة لدرجة أيقن الكافة أنها حالة أقرب للموات، سكون الحركة أقرّ فى العقول والأفئدة استحالة الحركة وعجز القدرة ولعل هذا كان سببا فى تعاظم الأنا وتضخم الذات لدى مبارك ونظامه فلم يقدّر الأمور الجارية فى وقتها بقدرها الحقيقى وآنس لنظامه الأمنى، فكانت النهاية على يديه ومن خلال مبادرات أطلقها هو لإلهاء الناس .

الحديث عن دور وتأثير تقنيات المعلومات يدعو بداية للإشارة إلى قمة الألفية التى عقدت بمقر منظمة الأمم المتحدة وبرعايتها عام 2000، وتعدّ الأرضية الصلبة التى انطلق منها الجدل الدائر فيما بعد حول استخدامات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، والتى تُرجمت للقمة العالمية للمعلومات فى جنيف 2003، تمخّض عنها إعلان دولى، أكد فى مضمونه على ضرورة الالتزام الدولى أو العالمى تجاه حماية الفئات الإنسانية المتضررة والعمل فى ذات الوقت على التخفيف من حدة الفقر وإن أمكن القضاء عليه، كذلك التصدى وبحزم للبنيات الاجتماعية التى تفرّخ الفساد أو تشجع عليه بخاصة بتلك الدول التى يغيب فيها دور القانون، أو يتوارى لمصلحة بعض الفئات الأخرى.

لقد دعا الإعلان الزعماء والقادة الحضور الموقعين على الإعلان لضرورة التمسك بقيم الديمقراطية وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان، والعمل جهد المستطاع لتعزيز وجودها وتقوية شوكتها بمجتمعاتهم لأنها السبيل الوحيد للخروج بمجتمعاتهم من ربقة الفقر، واحترام ما يسمى بالحق بالتنمية .

لا جدال أن تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات تؤثر على بنية النظام العالمى القائم، من خلال تحديّها للبنيات السياسية الموجودة على المستوى المحلى كما تؤثر بشكل خاص على علاقات القوة المتدفقة من أعلى لأسفل من خلال تيسير تحقق اللامركزية فى تداول المعلومات بكافة أنواعها، مما يترتب عليه إمكانية الوصول إليها من الكافة، تحقق جزئية إثارة الوعى، العلم بالقضايا الرئيسية الدائرة، لما للمعلومات من أهمية بالغة فى العصر الحديث .

وبصفة عامة تتحدد أهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى أى دولة بمدى أو نظرة الدولة ذاتها لهذه التكنولوجيات، أو من حيث حساسية التعامل معها من جانب هذه الدولة، ولا نغفل أيضا أهداف المؤسسات العسكرية الموجودة بهذه الدول تجاه الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أو توظيفها فى غايات محددة، غاية القصد هنا أن هذه التكنولوجيات الجديدة تفيد أى من مستخدميها بالشكل الذى يسعى إليه. فهى تتعامل مع القضايا الحساسة كما تتعامل مع القضايا الصحية التى تؤّرق الحكومات المدنية والأفراد على السواء مثل الإيدز أو الأوبئة الفتّاكة. والكوارث الاقتصادية. وهى خصم لدود للجهل والتعتيم على المعلومات، ومن هذا المنطلق قد تعتبر أحيانا خصما للبعض ممن لا يرضون بنشر قيم المعرفة وحق الوصول للمعلومات، أو قيم المواطنة والديمقراطية على السواء .

ثمة القليل الموجود عن تحليل العلاقة بين تكنولوجية الاتصالات والمعلومات وحقوق الإنسان، وأقل القليل عن تلك العلاقة بينهما وبين الديمقراطية والحكم على وجه الخصوص. على أن الدور الذى تلعبه تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات من حيث تعزيز قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان يمكن تبيّنها من خلال قدرتها على تعزيز المناخ العام هام للغاية وملحوظ حاليا من خلال إتاحة المعلومات وقنوات التواصل الإلكترونية وبناء الشبكات المعلوماتية ودعم المنظمات غير الحكومية وجماعات الضغط، ومساعدتها على زيادة وعى الأفراد والجماعات الموجودة بحقوقها.