اغلق القائمة

السبت 2024-04-27

القاهره 04:29 م

ورقة وقلم - أرشيفية

إسراء سيف تكتب: "ديكور" الصراع بين ما نحتاج وما نريد!

السبت، 12 ديسمبر 2015 08:12 ص

لكل منا ديكوره الخاص الذى يضفيه على حياته لتميزه عن الآخرين والذى يحمل من تفاصيل روحنا ما يُعبر عن اختياراتنا بالحياة، ومع اختياراتنا هذه التى تأخذنا لدروب مُختلفة طوال رحلتنا بالدنيا لا يتوقف سعينا أبداً وراء ما نريد وما نحتاج، جميعنا يطمع فى المزيد، نحاول التطلع والعمل على خلق حياة أفضل دائما، ولكن هناك شريحة كبيرة من البشر تعيش عمرها بأكمله مُتخبطة لا تعرف ما تريد، ولا يصل مركب حياتها بالضرورة لبر آمن لما تحتاج!

"ديكور" فيلم يجسد هذه الحالة من خلال قصة (مها) وهى فتاة تعمل مهندسة للديكور بالسينما وتجسد شخصيتها الفنانة "حورية فرغلى"، اختارت حياة تتسم بالحرية مع زوجها وشريك حياتها (شريف) الذى يلعب دوره الفنان "خالد أبو النجا" حيث يشاركها شريف شغفها فى حب الفن والعمل بنفس المجال، يؤرجحنا السيناريو بين حياتين مختلفتين لهما، حيث خلال عملها بفيلم سينمائى تتفاجأ بدخولها عالم آخر يبدو حقيقياً تعيش فيه حياة تقليدية للغاية عكس حياتها مع شريف، تعمل كمدرسة للرسم ومُتزوجة من رجل آخر (مصطفى) الذى يلعب دوره الفنان "ماجد الكدوانى" فتعيش حالة من التخبط فور دخولها عالم مصطفى الجديد، يحاول إقناعها بأن هذه هى حياتها الحقيقية وليست حياتها مع شريف الذى تحبه، وتنقلنا معها خلال الفيلم بين الحياتين حيث يحاول شريف هو الآخر إقناعها بنفس فكرة مصطفى أنها مجرد تحت الضغوطات بالعمل تعانى من الأوهام، ويتركنا المخرج أحمد عبد الله محتارين بين أى الحياتين حقيقة!

تحتار مها هى الأخرى بين محاولة الاختيار بين الحياتين طوال الفيلم فى صراع داخلى عما إذا كانت تفضل ما تريد فى مقابل ما تحتاج، فهى مع شريف الذى تحبه واختارته بمحض إرادتها، تحيا حياة غير تقليدية تتسم بالرومانسية ويخلق عملهم بالفن سوياً حالة من الانسجام بينهما، وإن كانت لا ترضى عن عملها بفيلمها الأخير معه كل الرضا، فى حين تعيش مع مصطفى الذى تزوجته بضغوط من أمها، حياة روتينية للغاية تحاول فيها إضفاء التغيير قدر الإمكان، ولكن على الرغم من هذه الحياة الروتينية التى تفتقد فيها شريف، تتعلق كثيراً بابنتها من مصطفى وتجد فيها حلم الأمومة الذى لا يوافق عليه شريف أبداً فى حياتها معه.

اختار المخرج الرائع "أحمد عبد الله" أن يكون الفيلم بالأبيض والأسود، وترك للمُتلقى محاولة تفسير اختياره هذا، فقد خدمت هذه الفكرة القصة كثيراً من حيث توصيل حياة مها للمشاهد كما تراها بعينها دون ألوان يملأها الصراع والحيرة لا روح فيها إن كانت مع شريف أو مع مصطفى، كما برع المبدعان "محمد وشيرين دياب" فى كتابة حوار طبيعى قريب من المُشاهدين ليأتى مع أداء أبطال الفيلم كسينفونية جميلة تُشبع الروح فناً.

فاجأنا الفنان ماجد الكدوانى بأدائه المتميز لهذه النوعية من الأدوار الجديدة البعيدة عن اللون الكوميدى، حيث برع فى أداء الدور إلى الحد الذى يجعل كل مُشاهد يلجأ إلى صندوق ذاكرته لشخص ولو واحد بحياته يذكره بمصطفى الشخص الروتينى الهادئ الطباع الراضى عن حياته العادية.

نجح المخرج أحمد عبد الله فى توظيف الفنانة حورية فرغلى بدور بلونٍ جديد عليها تطل به على جمهورها، حيث تمكنت من أدائها فى التعبيرعن كل فتاة لديها نفس الصراع الشخصى فى الحيرة بين حياتين مختلفتين يضغط عليها طرف ما لاختيار واحدة منهم سواء المجتمع أو الأهل أو الحبيب.

يبرع الفنان خالد أبو النجا من جديد بالفيلم فى تقديم شخصية ضمن الشخصيات الرومانسية التى لعبها بتاريخه الفنى، حيث قدم لنا شريف مهندس الديكور الذى على الرغم من حبه للحرية يحاول التأقلم مع مستجدات الحياة والتقيد بعمل فى فيلم سينيمائى لا يرضى كل رغباته الفنية، فقط (لتمشية أموره)، ويتطور خالد فى أدائه على الشاشة الفضية تطوراً ملحوظاً كما يفاجئ جمهوره بمشاركته فى أفلام غير تقليدية بالمرة، الأمر الذى يجعله دائما قريب لذوق وأفكار الشباب الذى ينتظر أفلامه كل عام.

لا نصل أبداً للاتزان النفسى ولو نوع إلا عند شعورنا بالإنجاز بتحقيق ولو البعض من أهدافنا بالحياة، وسد احتياجاتنا الإنسانية قدر الإمكان ربما ينهى المخرج الفيلم بمشهد ملون ليذكرنا بأن ديكورنا الخاص حتى وإن كانت الاختيارات المطروحة أمامنا لاكماله قليلة إلا أنه متعدد الألوان، وربما يزيد عددها إن عرفنا كيفية الوصول لما نحتاج أو على أقل القليل تحقيق ما نريد!