اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 09:44 ص

طارق الخولى

عن تعديل الدستور.. أتحدث

الأحد، 08 نوفمبر 2015 06:15 م

الدستور هو العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم، الوثيقة التى تمثل انعكاسا لتجارب الشعوب لذلك دائماً ما تدور حوله، المعركة السياسية والحروب الفكرية، لأنه محدد السلطات، ومقرر أنظمة الحكم، فقد خاضت مصر عبر تاريخها معارك كثيرة تتعلق بالدستور، فهى صاحبة تاريخ عريق فى الدساتير، بدأ مع إصدار محمد على باشا «اللائحة الأساسية للمجلس العالى» فى عام 1825.. ثم أتبعها فى عام 1837 بقانون «السياستنامة»، وخلال حكم الخديو إسماعيل صدرت فى عام 1866 لائحة تأسيس مجلس شورى النواب، وفى مطلع عام 1882 صدرت «اللائحة الأساسية» الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس النواب، إلا أن أول دستور كامل شهدته مصر كان عام 1882 فى عهد الخديو توفيق، لكن الاحتلال الإنجليزى قام سريعاً بإلغائه ليبدأ المصريون نضالاً طويلاً للحصول على دستور للبلاد، حتى شهدت مصر فى عام 1923 صدور أشهر دساتيرها الذى ظل معمولاً به، حتى قيام ثورة يوليو عام 1952 حيث ألغى هذا الدستور لتحل محله إعلانات دستورية، عمل بها حتى عام 1956 ومع بدايات حكم السادات صدر دستور عام 1971 الذى ظل معمولاً به حتى إسقاطه بقيام ثورة 25 يناير، ومن بعده دستور الإخوان، الذى أسقطته ثورة 30 يونيو، لنحظى بدستور جديد تجسيداً لكبرياء وطنى مستحق، طالما سعى له المصريون على مدار عقود طويلة من استعمار الغزاة وفساد الولاة.

لتبزغ فى الفترة الأخيرة مطالبات بتعديل الدستور، فى ظل رفض أطراف أخرى لأى تعديل يمس الدستور، وبين هذا وذاك، أرى أن الحاجة لتعديل الدستور من عدمه لا يمكن حسمها فى الوقت الحالى بأى شكل من الأشكال، فنحن بصدد تجربة ديمقراطية وليدة، فلا بد من استكمال المؤسسات الدستورية أولاً لتجربة الدستور على أكمل وجه فى قياس العلاقة بين السلطات، وحجم صلاحيات كل سلطة، والعلاقة فيما بين الحاكم والمحكوم، حتى نتمكن من تقييمه كما ينبغى، فالديمقراطيات المستقرة خاضت تجاربها أولاً قبل الحكم على دساتيرها الحالية، والتعديل فيها للوصول إلى أفضل شكل يلائمها من أنظمة الحكم المتعددة، فبناء على تجارب دامت عقودا طويلة استقرت أمريكا على النظام الرئاسى، وسارت فرنسا على النظام شبه الرئاسى، وأصبحت الهند دولة نظامها برلمانى.

فمصر وفق الدستور الحالى نظامها شبه رئاسى، حيث يقتسم البرلمان مع الرئيس بعض الصلاحيات المتعلقة بتشكيل الحكومة، ورسم السياسات العامة للدولة، فبعد انعقاد البرلمان، وممارسة الدستور، وتقوية الحياة الحزبية، وخوض التجربة فى العلاقة بين الرئيس والحكومة والبرلمان والقضاء، سنصل جميعاً لإجابة على السؤال الحائر، من منطلق وطنى بحت، ووفق ممارسة واقعية، وكفيلة لتحديد هل الأنسب لمصر هو النظام الرئاسى أم البرلمانى؟ فنعدل الدستور، أم الأفضل أن نبقى كما نحن نظام شبه رئاسى؟ فإن حالة الحوار المجتمعى القائمة حالياً حول محتوى الدستور أمر صحى جداً، ويجب أن يظل هذا الحوار مستمراً بالتوازى مع خوض التجربة لنصل فى النهاية إلى أفضل نظام حكم لمصر، فـ«الدساتير هى انعكاس لتجارب الشعوب»، والحوار القائم لا بد أن يبلور حدا أدنى من التوافق الذى لن يخلو من الاختلاف البشرى الفطرى حول طبائع الأمور، دونما أن يتحول إلى لغم يشعل به المتربصون لهيب الفتنة المجتمعية، وتحويل المسألة إلى معسكرات متناحرة، مع وضد.