اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 10:32 م

نوارة نجم

المكافحات

بقلم - نوارة نجم الأحد، 11 يناير 2015 10:13 م

هناك فئة عريضة فى هذا المجتمع تقدم خدمة مباشرة للدولة وللأسر المصرية. فئة نسائية، عاملة، كادحة، مكافحة، تعول أسرا بأكملها، وتساعد أسرا أخرى على العمل والإنتاج، إلا أن هذه الفئة من المجتمع غير محسوبات فى حسابات الدولة، برغم من إسهامهن الهائل فى اقتصاد البلاد، ليس لديهن نقابة، ليس لديهن تأمين صحى، ليس لديهن أى حقوق، بل إنهن فى عرف الدولة: عاطلات عن العمل، عن النساء اللواتى ينتمين إلى الطبقة الكادحة، ويساعدن نساء الطبقة المتوسطة فى أعمالهن المنزلية أتحدث.

عادة ما تكون المرأة التى تنتمى إلى هذه الفئة، إما متزوجة من رجل يشتغل فى حرفة تدر ربحا ضئيلا، أو رجلا «أرزقيا»، أو كما يقول المصريون: على باب الله، أو رجلا عاطلا عن العمل، وقد تكون غير متزوجة: أرملة أو مطلقة، ولديها أطفال، ترغب فى تعليمهم، تريد لهم مستقبلا مختلفا عن حاضرها وحاضر والدهم، قد يقترح الأب أن يخرج الأبناء من المدارس ويذهب بهم إلى أحد الورش كى يتعلموا صنعة ويشاركوا فى نفقات الأسرة، لا لأنه يكره أبناءه بالضرورة، ولكن للفاقة وضيق ذات اليد، لكن الأم التى تأبى أن يخرج أبناؤها من المدارس، وتريد الذود عن أطفالها مصيرا يشبه مصيرها، تصر على استكمال تعليم الأطفال، وتقرر أن تنزل لتعمل، وامرأة كهذه لم تتعلم من الدنيا سوى المهام المنزلية: تنظيف المنزل، الطبخ، مجالسة الأطفال... إلخ. وتحلم لأولادها بشهادة تؤهلهم للعمل فى أى وظيفة محترمة، وتحلم لأولادها بزيجات محظوظة، وتحلم بأن تشترى لأبنائها فى جهازهم «النيش» و«التليفزيون»، وتحلم بأن تشترى لأطفالها ملابس أنيقة، لكن الأهم بالنسبة لها هو تعليم الأبناء، وكما نعلم، فإن مجانية التعليم فى مصر تحولت إلى أسطورة، لم يعد هناك شىء اسمه تعليم بالمجان، فالمدارس الحكومية غير قادرة على تأهيل التلاميذ وتعليمهم، لذا وجب على الأم أن توفر لأبنائها الدروس الخصوصية، لا لأن الأولاد غير مكتفين بشرح المدرس فى الفصل الدراسى، ولكن لأن الفصل الدراسى ليس به مدرس ولا شرح، كما أنها تحتاج إلى كتب خارجية، وتحتاج إلى ملابس للأولاد.

على صعيد آخر، تحتاج الأم فى الطبقة المتوسطة إلى العمل للإسهام فى نفقات المنزل، وقد بات من الصعب، بل من المستحيل، أن تعتمد الأسرة على دخل الرجل وحده، وبالطبع، لا يوجد رجل فى مصر، إلا فيما ندر، سيشارك زوجته الأعباء المنزلية كما تشاركه هى أعباء الإنفاق على المنزل، لا عيييييب، ده راجل، يرجع من الشغل يقعد قدام التليفزيون.إذن، على المرأة أن تعمل خارج المنزل لتشارك فى الإنفاق، وفى ذات الوقت ترعى مصالح بيتها الداخلية من تنظيف وطبخ ورعاية أطفال دون معاونة امرأة تحتاج للعمل، كما تحتاج ربة الدار لمساعدتها.

هن نساء مكافحات، يخرجن فى الحر والبرد منذ الصباح الباكر ليشقين فى منازل الأغراب، ولولاهن لما استطاعت نساء أخريات العمل فى الوظائف والمصالح الحكومية والخاصة، أى أنهن يساعدن الدولة فى زيادة الناتج القومى بتوفير وقت وجهد على المرأة العاملة مما يتيح لها فرصة أكبر فى الإنتاج، كما أنهن يساعدن الدولة فى مقاومة التسرب من التعليم، لأنهن يقبلن العمل فى هذه المهنة بالأساس لتمكين أبنائهن من استكمال تعليمهم، لكن الدولة لا تساعدهن البتة، على الإطلاق. هن متروكات لضمير الأسر التى يعملن لديها، بعض الأسر تحسن معاملتهن، والبعض الآخر يؤذيهن، إذا مرضن، فلا يجدن من يتكفل بعلاجهن، سوى بعض «أهل الخير». «لا أطالب لهؤلاء النساء بأن تلتفت لهن الدولة لتأخذ منهن الضرائب وتزيد من نكد عيشهن، ولكن، على الأقل، توفر لهن الحد الأدنى من حقوق العمل، فمن المؤكد أنهن يخدمن الدولة أكثر من الذى نهب أموالها، وافتدى نفسه بملايين اقتطعها من أقوات الشعب وخرج علينا ليعاود نشاطه».