اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 07:15 م

داعش

يوسف أيوب يكتب: على واشنطن احترام عقولنا قبل أن تسألنا حسن الظن بها.. الولايات المتحدة مسئولة عن أزمة الثقة فهى تريد إقناعنا بأن الإرهاب فى داعش فقط.. ولم تعطنا جوابًا على إرهاب الإخوان فى مصر

كتب يوسف أيوب الأحد، 02 نوفمبر 2014 08:41 م

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وتفجير برجى التجارة العالميين فى نيويورك وما تبعها من رد فعل أمريكى، سواء فى أفغانستان والعراق أو بتشديد الإجراءات ضد المسلمين، زاد النفور العربى والإسلامى تجاه إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن الذى نال من الشتائم والسباب من العرب ما لم ينله أى سياسى آخر فى العالم، وارتفعت حالة الكره للولايات المتحدة إلى درجة لم يتصورها الأمريكان أنفسهم رغم يقين الكثيرين فى إدارة بوش أن أفعالهم ستأتى عليهم بردود أفعال عكسية، وحاولت واشنطن استيعاب هذه الغضبة بحملة دبلوماسية وإعلامية رصدت لها ملايين الدولارات، لكنها لم تأت بالنتيجة المرضية.

وزاد من الغضبة العربية والإسلامية أن إدارة بوش لم تفعل جديداً فى ملف القضية الفلسطينية، بل إنها أعطت لإسرائيل ظهيراً سياسياً قويا جعلها تفعل ما يتراءى لها.

فى مقابل الغضب العربى والإسلامى تزايدت وتيرة، «الإسلاموفوبيا» فى الولايات المتحدة، والدول الغربية، ورأينا لأول مرة رسوما كاريكاتيرية تسىء للإسلام وللنبى محمد، وسياسيين يتباهون بالهجوم على الإسلام دون أن يوقفهم أحد لأنهم محميون بلافتة كبيرة اسمها «حرية الرأى والتعبير»، وبالتالى زادت الهوة وتعمقت إلى صورة مخيفة، فالجانبان وصلا إلى درجة من الاحتقان كانت أعراضها ظاهرة للجميع، ورغم ظهور محاولات لرأب الصدع الذى حدث بيننا وبين الولايات المتحدة والغرب فإنها لم تفلح، حتى تلك التى كانت تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامى وبالتنسيق مع الخارجية الأمريكية.

بعد ثورات الربيع العربى حدث تقارب سرعان ما شهد تباعداً بعدما تداعت هذه الثورات وظهرت تيارات الإسلام السياسى وحاولت الانقضاض على السلطة فى دول الربيع، ولاقى ظهور جماعة الإخوان فى مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن تشجيعا من جانب الإدارة الأمريكية التى حاولت أن تستفيد من الجماعة لنشر ما أسمته بالإسلام المعتدل، معتقدة أن النموذج التركى يمكن اعتباره النموذج القابل للتطبيق فى الدول العربية، وساعدها على هذا الفهم أن جماعة الإخوان وتحديداً فى مصر لم يكن لديها أى محاذير للتعامل مع إسرائيل، وبالتالى فإن وجودها فى الحكم سيساعد على التقارب الذى تريده واشنطن لتل أبيب مع الشعوب العربية، ورغم أن هذه الرؤية الأمريكية كانت مخالفة لما يريده المصريون والعرب فإنها سارت عليها واعتمدتها كخطة عمل، حتى تفاجأت بثورة 30 يونيو التى أحدثت تباعداً فى الأفكار والرؤى ما بين العرب المؤيدين للثورة وما بين واشنطن التى رأت أن مشروعها فى المنطقة ينهار ويتداعى وأن الجماعة التى كانت العمود الفقرى لمشروعها فى المنطقة تسقط بسبب الغضبة الشعبية على سياستها.. صحيح أن واشنطن لم تصف ما حدث فى 30 يونيو بالانقلاب، لكنها تعاملت مع الثورة بجفاء شديد ما زالت آثاره قائمة حتى الآن، رغم أن مياهاً كثيرة جرت فى نهر العلاقات بين القاهرة وواشنطن.

هذا سرد سريع لما حدث وأدى إلى حالة من التباعد وربما الكره العربى والإسلامى للسياسات الأمريكية، ونتج منها بالتبعية عدم ثقة فيما تقوم به واشنطن من خطوات حتى إن كانت فى ظاهرها تدعم بعض مواقفنا، ومنها على سبيل المثال الحرب الأخيرة على الإرهاب، وتحديداً تنظيم داعش، لكن هذا لم يمنع استمرار أزمة الثقة التى دفعت من أجلها واشنطن الملايين وربما المليارات لإزالتها لكنها فشلت.

لقد ظن الأمريكيون أن ظهور تنظيم داعش، وما يمثله من مخاطر على الدول العربية، سيساعد على إزالة أزمة الثقة وبدء صفحة جديدة بينها وبين العرب والمسلمين، لكن يبدو حتى الآن أنه لم يجد جديد بعد، فالأزمة ما زالت قائمة مع فارق بسيط أنه رغم رفض كثيرين لسياسات واشنطن السياسية والعسكرية فإنهم ما زالوا معجبين أو مغرمين بالمجتمع والشعب الأمريكى، وأن الولايات المتحدة ما زالت صاحبة تأثير على عقول شبابنا من خلال عدة مؤثرات من بينها السينما، لكن هذا شىء، وما تقوم به الإدارة الأمريكية شىء آخر.

قد يتساءل البعض: وأين هذه الأزمة وهناك 40 دولة انضمت حتى الآن للحملة الدولية لمكافحة داعش، كما أن إقبال الشباب العرب على السفارات الأمريكية للحصول على تأشيراتها فى تزايد مستمر، مما يقضى على نظرية أزمة الثقة؟ نعم هذا صحيح، والصحيح أيضاً هذا العدد المتزايد من الأجانب المنضمين لتنظيم داعش مما يؤشر على وجود شىء ما خطأ فى العلاقة بين الغرب وفى القلب منهم الولايات المتحدة ما بين مواطنيهم الذين قرروا ترك حياة الرفاهية والانضمام لداعش، وأيضاً أن المصالح الأمريكية فى المنطقة معرضة فى كل لحظة للاستهداف من شباب غاضبين من القابعين فى البيت الأبيض.. هذا هو الحال حاليا، قد نكون أمام تناقض واضح لكن الأزمة موجودة وقائمة، وربما هذا ما دفع الخارجية الأمريكية على سبيل المثال لتكليف سفاراتها بالمنطقة لتنشط فى الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية والإعلامية لشرح وجهة النظر الأمريكية من الحرب على الإرهاب وداعش، ومحاولة خلق رأى عام عربى لا يناصب الولايات المتحدة العداء.

الخارجية الأمريكية طلبت من سفاراتها بالمنطقة فعل ذلك، وربما تشهد الأيام المقبلة نشاطاً ملحوظاً من قسمى الإعلام والدبلوماسية العامة بالسفارة الأمريكية بالقاهرة لتنفيذ هذا الأمر، على أن تكون البداية الالتقاء بوسائل الإعلام باعتبارها صاحبة التأثير القوى حالياً على الرأى العام المصرى، لكن المشكلة التى ينبغى على واشنطن إدراكها أن هذه الأزمة ليست وليدة اليوم، وإنما هى امتداد لأزمات سابقة ونابعة عن مواقف متتالية أفقدت الكثيرين الثقة فيما تقوله أو تفعله واشنطن، فحتى حينما يأتى مسؤول أمريكى للحديث عن مخاطر داعش، فكيف أتقبل حديثه ولدى شك فى أن هذا التنظيم هو صنيعة أمريكية كان هدفها إحداث تغييرات جيوسياسية بالمنطقة تستفيد منها واشنطن وحليفتها بالمنطقة إسرائيل، وبالطبع من يدينون بالولاء للاثنين وأتحدث هنا تحديداً عن تركيا وقطر؟

قد أكون مخطئا فى هذا التفسير لكن ماذا فعلت واشنطن لتقول أو تثبت لى ولغيرى أننا مخطئون؟، بمعنى آخر إذا كانت واشنطن بالفعل تريد تخليص المنطقة من الإرهاب وتريد إقناعنا بأننا أمام حرب مقدسة للقضاء على الإرهابيين، وفى القلب منهم «داعش» وأنها تعمل لصالحنا وليس ضدنا، فلماذا لم تعطنا حتى الآن جواباً أو رداً واضحا على الإخوان وما تفعله من إرهاب فى مصر؟ لماذا تريد واشنطن أن تقنعنا بأن داعش فقط هى الإرهابية، وحينما نقدم لهم الدليل على أن الإخوان هى الجماعة الأم للإرهاب نراها تصم آذانها عما نقول؟

قبل أن تطالبنا الولايات المتحدة أن نحسن الظن بها فعليها فى البداية أن تحترم عقولنا، نعم هى تشكو مر الشكوى من نظرية المؤامرة التى تسيطر على عقول العرب، لكن وما العمل إذا ما كانت تعاملنا كقصر، حتى حينما تقرر أن تتعامل معنا بقدر عقولنا ترسل من لا يستطيع فهمنا فيتحدث من منطق الاستعلاء الذى لا يحقق أى نتيجة سوى زيادة الهوة؟!

إذا ما كانت واشنطن تريد ردم الهوة فعليها أولا: أن يكون لديها ردود منطقية ومعقولة على تساؤلاتنا، وأن تحسن اختيار من يتحدثون باسمها، فلا يكفى أن تختار من يجيد التحدث العربية أو يكون من أصول عربية، لأن اللغة ليست الشرط الوحيد.