اغلق القائمة

الأحد 2024-04-28

القاهره 10:49 م

شهداء العريش

حسن زايد يكتب: محاربة لفهم متطرف وليس محاربة للدين

السبت، 01 نوفمبر 2014 02:02 م

كرم القواديس نقطة صغيرة على الخريطة، لا تتناسب فى حجمها مع ما شهدته أرضها من أحداث يوم الجمعة الحزين 24 أكتوبر 2014 م. أحداث ستترك بصمتها الغائرة فى تاريخ مصر الحديث، سيؤرخ بها لما قبلها وما بعدها فى قابل الأيام. فقد دخلت كرم القواديس التاريخ من بوابته الدامية، حيث ارتوت رمالها حتى الثمالة بدماء أبناء مصر البررة، من جنود وضباط صف وضباط، دم الشهداء والجرحى، الذين باغتتهم شرذمة من الإرهابيين الخونة، تساندهم قوى أجنبية باغية، بقصد ضرب أحد أهم الارتكازات الأمنية على طريق العريش / رفح الدولى.

ولسنا بصدد مسح مسرح الأحداث وصفاً، ولا الكلام فى تخمينات أى السيناريوهات قد جرى الالتجاء إلى تنفيذه من جانب الإرهابيين، لأن هناك خبراء عسكريين أجدر وأكفأ وأصدق فى وضع التصورات وفقاً للتكتيكات العسكرية، ومساحة المناورة المتاحة، والقدرة والكفاءة فى تنفيذ العملية. وما يمكن قوله فى هذا الصدد أنها عملية نوعية، جرى التخطيط لها، والتدريب عليها، وعلى نوعية الأسلحة المستخدمة فيها، بخلاف عمليات الرصد والملاحظة وباقى الخدمات اللوجستية اللازمة لمثل هذه العمليات، مع عدم استبعاد وجود عناصر أجنبية واستخباراتية مشاركة فى هذه العملية على نحو أو آخر.

وعندما يصرح رئيس الدولة بما يفيد ذلك فإنه ينقل الأمر من حيز التكهنات والتخمينات إلى حيز الحقيقة والواقع، بل إنه زاد على ذلك بذهابه بالإرهاب من مجرد تهديد لاستقرار وأمن البلاد إلى تهديد لوجود الدولة ذاتها، تكون الدولة أو لا تكون. فالعملية ليست نوعية على قدر عدد من استشهد فيها أو أصيب، وإن كان ذلك جديراً بالاعتبار، وإنما هى نوعية من حيث التخطيط والتوجيه والتنسيق والتكتيك والأسلحة، على نحو لا يتوافر للجماعات الإرهابية على نحو منفرد دون معاونة ومساعدة ومشاركة من قوى أجنبية لا تخلو من عناصر استخباراتية بحال. ومن هنا كانت الوقفة، وكان طى الصفحة القديمة واجباً بعد وضع نقطة النهاية بعد آخر سطر فيها، وفتح صفحة جديدة فى سجل المواجهة، ومن أول السطر. صحيح أن المواجهة معلنة منذ اندلاع ثورة يونيو، وأن الفريق السيسى فى حينه قد طلب تفويضاً بمواجهة العنف والإرهاب المتوقع، وقد وقع ما توقعه على ضوء معلومات ودراسات موقف تقوم بها أجهزة مسئولة، وليس مجرد تخمينات تنطوى على أوهام، وجرت المواجهة ولكن بقدر معين ومحدود، مراعاة للأبعاد المحلية والدولية بما تنطوى عليه من بُعد إنسانى، وسياسى، إلا أن المواجهة هذه المرة قد أخذت بعداً جديداً تبدت فيه كافة ملامح العمليات العسكرية على جبهات القتال، ولهذه العملية ما وراءها من أبعاد وخلفيات تستهدف وجود الدولة المصرية ذاته، خاصة عندما اشتمت الأجهزة الأمنية، والقيادة السياسية، نزول القوى المتآمرة على مصر إلى ميدان المعركة، واشتراكها فعلياً فى العمليات. فكان لابد من إعلان الحرب على الإرهاب فى الداخل والخارج للخلاص من هذا الورم السرطانى الذى أصاب جسد المجتمع المصرى. وقد سلكت الدولة سبيل الخلاص على المستوى الأمنى، إلا أن هذا المستوى وحده لا يكفى، لأن ما نراه ما هو إلا الصورة النهائية للفكر الإرهابى أو البلورة النهائية لمقدمات طويلة، ولكى نقطع دابر النتيجة ونقضى على وجودها لابد من معالجة المقدمات التى تفضى إليها.

فالإرهاب قبل أن يكون واقعاً على الأرض كان فكراً فى رؤوس أصحابه والمروجين له والداعمين لوجوده. هذا الفكر موجود فى بطون الكتب التى يستقى منها أصحاب هذا الفكر فكرهم دون أن يملكوا الأدوات العلمية الصحيحة للتعامل معه. هذه الكتب فى حاجة إلى مراجعة وتمحيص وتدقيق بما فى ذلك المناهج التى يجرى تدريسها فى المعاهد الأزهرية. كما أن هذه المواجهة تقتضى تشمير سواعد المواجهة الفكرية مع من يحمل بذور هذا الفكر ويدعو له وينشره سواء تم ذلك من خلال المناظرات المباشرة، أو مناقشة الكتب التى تحمل هذا الفكر بشكل علنى ومذاع من خلال وسائل الميديا المتاحة لضمان تغطيتها لأكبر مساحة سكانية ممكنة، بالإضافة إلى القوافل الدعوية الموسعة وقتاً وحركة، حتى تسد على حملة بذور الفكر الإرهابى المنافذ بكشف بضاعتهم وتعريتها أمام الجمهور المتلقى لها. ولا ننسى فى هذا الإطار الإشارة إلى محافظات الأطراف وما ألمَّ بها من إهمال جسيم أفضى فى نهاية المطاف إلى جعلها بيئة حاضنة لأفكار التطرف والإرهاب بعيداً عن رقابة سلطات الدولة ، ومناطق نفوذ لأصحاب هذه الأفكار. ومن المعلوم قطعاً أن محاربة هذا الفكر ليس محاربة للدين، وإنما محاربة لفهم متطرف ومنحرف للدين يفضى فى النهاية إلى الإرهاب. إنه تحرير للدين من ربقة الفكر المنحرف المحمل بعاهات نفسية تخص أصحابه، ولا تمت للدين بصلة، وتحرير للدين من غلو وتطرف المتاجرين به، الذين وجدوا فى التطرف والغلو بضاعة رائجة تستجلب الشهرة والمال والسلطة الزمنية. فلا نهضة للوطن بغير الدين، ذلك الموروث المقدس ـ بحق ـ الذى يعيش ويختلط بالكيان والوجود البشرى لأهل مصر، الدين بعد تنقيته مما علق به من أفكار بشرية ليس لها قداسة، ولا تتفق مع صحيح الدين، خاصة أنه أصبح متاحاً بفعل التكنولوجيا أن ينهض بهذا العمل مؤسسات فقهية ودعوية يتضاءل إلى جانبها النشاط الفردى ويفقد بريقه وتأثيره. وكى تصبح كرم القواديس نقطة التحول الكاملة التى يؤرخ بها لما قبلها وما بعدها لابد أن تكون الحرب على الإرهاب حرباً شاملة.