اغلق القائمة

الإثنين 2024-04-29

القاهره 02:30 ص

صورة أرشيفية

شيرين ماهر تكتب: إعلام الإثارة.. وغياب الرسالة

الجمعة، 24 أكتوبر 2014 06:07 م

يَحضُرنى عِتاب دفين بكلماته الرَصينة الذى سبق وأن وجهه الرئيس السيسى فى أحدى خطاباته إلى الشعب عندما أثنى على إعلام الستينيات فى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لافتًا إلى حقيقة كونه زعيمًا محظوظًا بالتفاف الآلة الإعلامية حوله والعمل معه على قلب رجل واحد، ومن المفترض أن تكون الرسالة قد وصلت لكل إعلامى ضلَ طريقه وتناسى رسالته واتخذ من مهنته بوقاً صارخاً لا يُصِدر سوى أنكر الأصوات.

ولكن لا حياة لمن تنادى، فمن الواضح أننا لا نستوعب ثقافة العِتاب، فإذا بها تتكرر دومًا نفس الحماقات والمهاترات من جانب برامج "التوك شو" التى أصبحت مرتعًا لكل من هو ليس إعلاميًا أو متخصصًا أو حتى يمتلك الموهبة الفطرية لأداء هذا الدور، وكان أحدثها تلك الإساءات التى وجهها أحد مُقدمى البرامج المصرية وكذلك بعض الصحف الرسمية وغير الرسمية لشخص الرئيس السودانى "عمر البشير" بالتزامن مع زيارته إلى مصر والتى استغرقت يومين، حيث أثارت تلك السخرية الجوفاء امتعاضًا واضحًا فى افتتاحيات كبريات الصحف السودانية وداخل الأوساط الرسمية فى السودان خاصةً إن الأوضاع بين البلدين لم تكن تحتمل مثل هذا التأجيج، إلا أن الرئيس البشير استطاع ان يتعامل مع مثل هذا التهكم بذكاء يُحتَرم وتجاهُل أطاح بأزمة جديدة كان يمكن افتعالها بتلك الممارسات الساذجة، كما أجاد الرئيس السيسى فى امتصاص غضب نظيره السودانى بالأجواء الحارة والحفاوة الصادقة أثناء استقباله مما كان له أثراً محموداً فى تجاوز أى محاولات لتعكير صفو الزيارة وسير المباحثات الثنائية فيما بينهما.

ورغم أن الزيارة حملت بين طياتها العديد من المكاسب الإستراتيجية والدبلوماسية بين الجانبين لدرجة دفعت الرئيس البشير أن يُصرِح قائلاً للوفد الإعلامى المرافق له "إننى ارتدت مصر عشرات المرات خلال الربع قرن الأخير، ولكنها المرة الأولى التى أغادر فيها مصر ويحدونى شعورًا بالرضا والارتياح عما أسفرت عنه زيارتى" ولكن مع ذلك كان لابد من التوقف عند مثل هذه الحملة العدائية غير المحسوبة من جانب الإعلام المصرى والتى تسترعى مزيدًا من ضبط النفس وطرح المزيد من التساؤلات.

تُرى.. هل هذا هو الدور المنوط بالإعلام فى ظل ظروف حرجة كالتى تمر بها مصر على كل الأصعدة؟ لماذا لم نراجع دروسنا المُستفَادة لندرك كم تأخرنا من الوقت فى لم شمل أوطانًا تجمعها قارة واحدة ومصالح جيواستراتيجية مشتركة؟ وإلى متى سيستمر تجاهُل أهمية أفريقيا لمصر ومعرفة أننا جزء من كُلِ أفريقى ؟ فإذا ما تغيرت التوجهات السياسية لابد أن يواكبها حواشى تٌخَدِم على هذه الرؤية المستقبلية بدلاً من عرقلتها.

وعلى إعلامنا المُبجَل أن يدرك أنه ليس من الذكاء الدبلوماسى اللجوء للصياح والملاسنة والتوعد كسبيل لحل المشكلات ذات البعد العميق خاصةً وإن كانت هذه الخلافات تتعلق بشريك وجار وابن عمومة واحدة كـ"السودان" الشقيق، والرسالة موجهة للقائمين على الإعلام فى كلتا الدولتين ليدركوا تمامًا أهمية هذه الفرضية على السواء، وليخففوا من حدة الاحتقان والهجاء الإعلامى دون إشعال نيران الخلاف الذى لا يزال قابعًا تحت الرماد، فإذا لم تُراجع الآلة الإعلامية أدواتها وتتفهم أبعاد المرحلة الراهنة بما تقتضيه من أمانة فى نقل الرسالة والوقوف على مسافة واحدة من كافة الأطراف لأصبحت آلة تخريبية، تعصف بكل المكتسبات، فبلاط صاحبة الجلالة صار يستحق الكثير من أعمال النظافة حتى يسترد بريقه، وهذا البعض غير المسئول من الإعلاميين لابد لهم أن يبحثوا عن موائد أخرى لوجباتهم المُمرِضة، فلن يُضيرهم شيئًا لو توجهوا لبرامج الطهى والموضة وإلى ما غير ذلك.

أما السياسة فليست حلبة لمن لا حرفة له، والأوضاع فى مصر لا تحتمل مثل هذه الارتجالات الفاشلة، فالحرب القادمة يا سادة.. هى حرب الأذكياء والأذكياء فقط ولا مكان فيها لمن يتسكعون بطرقات المِهنة أو هُواه يتخبطون فى جنبات ضحالة الموهبة، فإذا ما أردنا أن نٌشمِر عن سواعدنا لنأخذ مكاننا كمنتصرين، علينا أولا بتنقيح دقيق لإزالة شوائبنا الثقيلة!