اغلق القائمة

الإثنين 2024-04-29

القاهره 05:53 م

غلاف كتاب "شبح طائرة ورقية"

مدحت صفوت يكتب: «شبح طائرة ورقية».. الكتابة عن الطيف وإليه

الإثنين، 20 أكتوبر 2014 12:07 م


فى مجموعته القصصية «شبح طائرة ورقية» (دار العين) يقتنص القاص هشام أصلان (1979) لقطات سريعة تنتمى فى مجملها إلى مصدر سردى واحد، معتمدًا على توليفة تجمع بين الشفاهية والكتابية، لينتهى إلى كتابة تتحدث عن الطيف ومعه وإليه حد رؤية جاك دريدا.

ترى إليزابيث لوفلى فى دراستها «الإيمان بالأشباح فى الأدب» 2013، أن لغة الأدب يمكن أن تمنح الأطياف/ الأشباح شكلًا من الوجود يقاوم الحدود الوجودية التقليدية للكينونة واللاكينونة، للحياة والموت، مستندة فى رؤيتها على «الشبحية»، مقولة نحتها جاك دريدا لأول مرة عام 1993 فى كتابه «أطياف ماركس»، ليصف الأنطولوجيا العصية على التحديد والاستقرار. وقد ثبّتت المقولة نفسها بوصفها مبحثًا نقديًا مثمرًا لأنه يسمح بمناقشة الأطياف المتكررة والمتجولة فى حياتنا وتلونها، والصعبة الإمساك بها، الأمر الذى لم يُفد منه فى النقد العربى بشكل أو بآخر حتى الآن.

يطالعنا الشبح منذ عنوان مجموعة أصلان، أوبالأحرى يطاردنا، كشبح طائرة ورقية يلعب بها صبى فى مقطع من الأجزاء السبعة المكونة لآخر قصص المجموعة، لتتوالى الأشباح/ الأطياف فى النصوص عبر «أصوات الممر» والسيدة ذات الخط الحسن التى كتبت لوحة «واجهة السبيل». وعلى الرغم من خلو عناوين النصوص من الإشارة إلى الشبحية أو الطيفية بشكل مباشر، فإن بعضها حمل دلالة الإشارة إلى الطيف كـ«شروخ وهمية» فوصف الشروخ بالوهمية يجعلهًا مجرد طيف، و«مجرد رائحة» دال عن رائحة تتراوح بين الحقيقة والتخيل، بين الكينونة واللاكينونة.

واستحالت جملة سركون بولص شبحًا انطلق من تصدير المجموعة إلى طرح النصوص ذاته، حيث صدّر المؤلف مجموعته بـ«أنا من يفتح الأبواب، ولا يعرف كيف يغلقها، وينام»؛ لتسيطر على النصوص؛ فتبدو فى أغلبها دوائر/ أبواب فُتحت دون إغلاق سردي، ودون حدث نهائى –كانوا يسمونه من قبل بنهاية القص-، كما يحل السارد شبحًا على الموقف الدرامي/ اللقطة، أو طيفًا خفيفًا يعرج على الحدث والشخوص، ومسقطًا عن كاهله «اللغوي» مهمة الإغراق فى الوصف وسرد التفاصيل واكتمال المشهدية، مكتفيًا بـ«اللعب» مع اللغة، كطفل يلعب مع الدوائر المستديرة التى تتركها أكواب الشاى والقهوة على الأسطح الخشبية، والتى ينتصر لها السارد متمنيًا أن تترك الأمهات العلامات لأطفالهن، ليصنعن دوائر جديدة، كإقرار بحتمية التغيير والدخول فى التجارب.

فى قصة «مجرد رائحة» تتحول المعرفة "الكتابية"/ المدرسية شبحًا يطارد السارد حين يكتشف المسافة بين التاريخ النظرى والواقع المعاش، فالمدينة التى قرأ عن حفاظ سكانها على أسطورية المكان والعادات، باتوا «عاديين»؛ لا تحتاج عقود الفُل لديهم لطقوس غير اعتيادية. كما أن أصحاب الأرض الأصليين المتخيليين مجرد رائحة «شبحية» تطارد مخيلة السارد وتكشف سذاجته. فيما يلجأ فى قصتى «شروخ وهيمة» و«غرف إضافية» إلى ما نسميه بـ«الانفجار الشبحي»، ويعنى توالد الدلالات الشبحية فى النص، فتبدأ القصة الأولى من الحديث عن «الوسعاية التى فى آخر الشارع» وتتابع الرؤى المتخيلة عن سيدة جالسة على كرسى الحمام وجلبابها ينحسر عن فخذين ممتلئين، وعن سقوط البيت وتجمع السكان فى الخيام لإتاحة فرصة الاقتراب من الابنة الوسطى لصاحب البيت، ومهما كانت الحواجز داخل الخيمة المشتركة فـ«البنت» مآلها خيال السارد المراهق.

وانطلاقًا من وسم القصة القصيرة كفنٍ أدبى بازدواجية بنيتها؛ بمعنى أنها نظام حكائى وخطاب فى ذات الوقت، تتمثل الصورة الأولى فى بنية تجريدية مطلقة تتألف من أفعال قابلة للسرد، على حين تقوم الأخرى على أساس من التوتر القائم على المشابهة والاختلاف فى مفهوميهما العام. فإن أصلان عمد فى مجموعته إلى تنويع مستويات الحكى فى حده بين الشفاهية والكتابية، فالأول موسوم بتكرار بنيات بعينها، متعارضة، سهلة متداولة، تساعد الذاكرة على إلتقاطها وحفظها، فهى الإشارة التى تختزل دلالة متبادلة بين المتكلم والسامع، لذا يميل التفكير المطول والأساس الشفاهي، حتى عندما لا يكون فى شكل أدبى أو ايقاعى، إلى أن يكون إيقاعيًا بشكل ملحوظ؛ لأن الإيقاع _كما يرى والتر.ج. أونج_ من الناحية الفسيولوجية يساعد على التذكر.

فيما يتمظهر الماضى شبحًا فى سيادة النزعة الإنسانية المتوافرة بالقصص، والتى سادت فى الأدب الروسى فى القرن التاسع عشر؛ حيث كان الإنسان نقطة الانطلاق، ومحور الارتكاز، والهدف الرئيسى للعمل الأدبي.

وتذهب نصوص «شبح طائرة ورقية» إلى ضرورة التحدث عن الشبح، وأحيانًا معه وإليه، بحسب رؤية دريدا، حد تمحور القصص حول أؤلئك الذين ليسوا هناك، والذين لم يعودوا، ولم يحضروا أو لم يجيئوا بعد.