اغلق القائمة

الإثنين 2024-04-29

القاهره 06:59 ص

عن نزهة فض الاعتصامات

الإثنين، 05 أغسطس 2013 06:02 م

تطالعك نصائح مضحكة تصدر عن بعض السياسيين والمحللين لا تختلف عن مستوى إدراك جلسات بعض رواد المقاهى، وهم يحتسون مشروب الصباح أو حكايات الجدات فى الدردشة حول ضرورة فتح مياه المجارى على المعتصمين أو إطلاق غاز يسبب النوم لإخلاء أماكن الاعتصام بينما تكاد تنهار من فرط الضحك والشفقة على بعض المنضمين حديثا للمشهد السياسى والثورى وهم يقولون فى ألم: أين تفويضنا؟ لماذا لم يقم السيسى بإبادة هؤلاء الإخوان المجرمين ألم ننزل نطلب منه ذلك؟ ثم فوجئنا بمشهد كوميدى آخر للوزارة الحالية التى فوضت تفويضا آخر لوزير الداخلية بفض الاعتصامات وحماية الأمن القومى والسلم العام وبدا المشهد كأن مجلس الوزراء يعلن تكليف وزير الداخلية بأعمال الوزارة!
بينما يشتد الهجوم على البرادعى الذى يرفض فض الاعتصامات بالقوة ووصل الهذيان إلى وصفه بمندوب أمريكا وإسرائيل والماسونية العالمية فى مصر، وتكتمل الكوميديا بأخبار يتم نشرها وتدوالها على مواقع التواصل الاجتماعى حول وجود صواريخ جراد وصواريخ سام وصواريخ أخرى مضادة للطائرات، بالإضافة إلى منصات إطلاق الصواريخ التى تم نشرها على أسطح العمارات لمواجهة أى هجوم محتمل على الاعتصام فى رابعة.
وحتى لا تتهم بتعاطفك مع إرهابيين وحتى لا تكون خلية نائمة لم تظهر حتى الآن يجب أن تصدق هذا الخبل اللامعقول، وحين تتصفح صفحات من ينشرون ويروجون هذا الكلام تجدهم أناسا محترمين ومتعلمين وفجأة أصابهم مرض الهستيريا الجماعية الذى أفقدهم عقولهم واتزانهم النفسى.
ثمة محددات وحقائق ينبغى الانتباه لها حول النقاش فى قضية فض الاعتصامات:
أولا: قواعد حفظ الأمن فى المظاهرات والاضطرابات العامة
التعامل مع المظاهرات والاضطرابات العامة: يخضع حفظ الأمن أثناء المظاهرات أو الاضطرابات العامة إلى حد أدنى من المعايير المتفق عليها دوليا، وتنطبق هذه القواعد على قوات الشرطة والقوات المسلحة التى تقوم بعمل الشرطة، ويشتمل عددا من الصكوك الدولية على هذه المبادئ ومنها: مبادئ الأمم المتحدة لاستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون ومدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون الصادر عن الأمم المتحدة.
ومن الجدير بالذكر أن الظروف الاستثنائية كالقلاقل السياسية الداخلية أو أى طوارئ عامة أخرى لا يمكن استخدامها كمبرر لمخالفة هذه المبادئ الرئيسية.
المبادئ الرئيسية: تمثل المبادئ الواردة أدناه الأسس الحاكمة لعمل قوات الأمن فى حفظ الأمن أثناء المظاهرات والاضطرابات العامة، ودور المؤسسات الأمنية هو تأمين المظاهرات سواء كانت مخططا لها أو وليدة اللحظة، وتأمين حقوق المشاركين وغير المشاركين بها، وذلك من خلال المبادئ الآتية:
1 - دور المؤسسات الأمنية هو حماية حقوق المواطنين فى الحياة والحرية والأمن، لذا فإن أى فعل لهذه المؤسسات الأمنية يجب أن يهدف إلى ضمان السلامة العامة، ومنع الاضطرابات والجريمة وحماية حقوق الآخرين.
2 - حق التجمع السلمى والتظاهر مكفول.
3 - للمسؤولين عن إنفاذ القانون استخدام القوة فى حالات الضرورة القصوى فقط وللحد الذى يمكنهم من أداء وظيفتهم، وبالتالى فإن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب قوات الأمن يجب أن يكون: متناسبا مع الهدف المشروع المراد تحقيقه ومع خطورة الجريمة.
قانونيا: أى يجب أن يكون هذا الاستخدام متوافقا مع القوانين المحلية والمبادئ الدولية.
ضروريا: بمعنى أن القوة والأسلحة النارية لا تستخدم إلا فى الحالات التى تصبح فيها جميع الوسائل الأخرى غير فعالة ولن تحقق النتائج المرجوة، وفقط فى الحدود اللازمة.
قابلا للمحاسبة: أى يجب أن تكون هناك إجراءات محددة للإبلاغ عن كل حدث يتم فيه استخدام الأسلحة النارية وكذلك فى جميع حالات الوفاة أو الإصابة، وأن يتبع الإبلاغ مراجعة من قبل وزارة الداخلية للتأكد من مشروعية استخدام القوة، يجب أيضا أن يكون من يعطى أوامر باستخدام قوة غير مشروعة ومن ينفذها قابلين للمحاسبة الجنائية.
وفى جميع الأحوال يجب أن يكون استخدام القوة متناسبا مع الهدف، وبأقل إصابات وخسائر ممكنة، فعلى سبيل المثال إذا كان هناك 20 شخصا معتصمين فى حديقة عامة فلن يكون من المتناسب استخدام الغازات المسيلة للدموع لفضهم.
استخدام الأسلحة النارية لفض المظاهرات السلمية غير قانونى على الإطلاق.
عندما يستعمل بعض المتظاهرين العنف:
إذا كان بعض المتظاهرين يستخدمون العنف ضد قوات الأمن - يلقون بالحجارة مثلا أو بزجاجات المولوتوف على الأمن - فإن لقوات الأمن الحق فى الاستخدام المشروع للقوة بالدرجة المطلوبة وإنما فى أدنى حدودها وبأقل خسائر ممكنة.
ويجب أن يفرق الرد الأمنى بين المتظاهرين السلميين وأولئك الذين يستخدمون العنف، ويحاول عزل المجموعة الأخيرة وحماية المتظاهرين السلميين، وفى كل الأحوال فإن تعميم استخدام القوة على جميع الموجودين فى محيط المظاهرة - السلميين وغيرهم - أمر غير قانونى.
إذا كان العنف الممارس من قبل المتظاهرين لا يشكل تهديدا بالموت أو الإصابات الخطيرة فلا يحق لقوات الأمن استخدام الأسلحة النارية، فعلى سبيل المثال، إلقاء الحجارة على أفراد الشرطة الذين يرتدون خوذا ودروعا لا يشكل تهديدا بالموت أو الإصابات الخطيرة لذا لا يمكن لقوات الأمن استخدام الأسلحة النارية للرد على هذا العنف. فقط فى الحالات التى يصل فيها عنف المتظاهرين إلى درجات تهدد الحياة أو تسبب إصابات بالغة يحق لقوات الأمن استخدام الأسلحة النارية والرصاص الحى ولكن فى أضيق الحدود ودون أن يكون الهدف هو القتل.
وننوه هنا أنه فى حالة حدوث أعمال عنف يجب أن يكون هدف قوات الأمن هو منع الموقف من التفاقم، وتقليل وتيرة العنف، وإذا كان استخدام القوة من جانب الأمن - وإن كان مشروعا وضروريا - سيؤدى إلى اشتعال الموقف وإلى مزيد من العنف والاضطراب فإن على قوات الأمن التراجع عن استخدامه، وقد يكون الانسحاب حلا فى بعض الأحوال لمنع تفاقم الوضع.
فى حالة الهجوم على ممتلكات عامة أو خاصة:
دور قوات الأمن هو حماية الممتلكات الخاصة والعامة، وفى هذه الحالات تنطبق نفس قواعد استخدام القوة والأسلحة النارية، أى يجب أن يكون استخدام القوة ضروريا وقانونيا ومتناسبا مع الهدف المرجو تحقيقه.
يجب استخدام القوة والأسلحة النارية فقط فى حالات التهديد الوشيك بالموت أو الإصابات الخطيرة، ولا يمثل التهجم على الممتلكات الخاصة والعامة فى حد ذاته مثل هذا التهديد.
حماية الممتلكات العامة والخاصة لا يمكن أبدا أن يبرر الاستخدام العمدى للأسلحة القاتلة.
فى جميع الحالات يحظر تماما على قوات الأمن إلقاء الحجارة أو أى مواد أخرى على المتظاهرين حتى وإن كان المتظاهرون يلقون عليهم حجارة، وقوات الأمن التى تفض المظاهرات يجب ألا تحمل - فى أى ظروف - سيوفا أو أى أسلحة أخرى لا يقرها القانون.
يحظر على قوات الأمن استخدام العنف الجسدى تجاه الأفراد إلا فى حالات الضرورة القصوى، وضرب أى شخص لا يبدى مقاومة أو ملقى على الأرض أو فاقدا للوعى، أو هتك عرض أى شخص، جميعها تعد جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات بالسجن، وعندما يكون مرتكبها أحد أفراد السلطة العامة تكون العقوبة مشددة.
ثانيا: السادة المحللون الاستراتيجيون وجنرالات الفيس بوك والتويتر المتمسكين بوجود صواريخ مضادة للطائرات ومنصات إطلاق الصواريخ على الأسطح يجب أن تعلموا أن جهاز الأمن الوطنى والمخابرات تمتلك مئات من عناصرها الموجودة داخل الاعتصام ويقومون بنقل تفاصيل التفاصيل إلى قياداتهم صوتا وصورة لحظة بلحظة لذلك، فالأجهزة الأمنية لا تحتاج إلى نصائحكم العبقرية وخططكم اللوذعية لفض أى اعتصام.
ثالثا: يجب أن يدرك الإخوان أنه لا توجد اعتصامات تستمر مدى الحياة، لذلك لا بد من العودة الفورية لمائدة التفاوض السياسى للخروج من الأزمة دون أى تفكير فى تجاوز الشرعية الثورية الجديدة وخارطة الطريق التى سنصل بنهايتها إلى استكمال بناء المؤسسات وإصلاح عوار الدستور الساقط أما الاعتقاد أن استمرار الاعتصامات والمسيرات هو الحل فسيكون هذا انتحار سياسى نهائى.
رابعا: محتوى الخطاب السياسى العبثى الذى يخرج من منصة رابعة كارثى واستمرار شحن المعتصمين والأنصار والإصرار على تحويل المعركة إلى معركة دينية بين كفار ومؤمنين هو دجل وتدليس وازدراء للدين.
خامسا: توهم أن فض اعتصام رابعة والنهضة سيوقف تكوين اعتصامات جديدة سذاجة، فمن اعتصم هنا سيذهب إلى ميدان آخر ليبدأ فيه اعتصاما جديدا والدولة تواجه جماعة لها هيكل إدارى موازى لهيكل الدولة ولها أنصار بالملايين فى كل محافظة ومركز وحى ومن يتخيل أن الحل الأمنى فقط سيؤدى إلى الهدوء والاستقرار فهو واهم واستعمال العنف المفرط سيؤدى إلى ظهور جيل جديد من الإرهابيين سيحرق هذا الوطن.
سادسا: ازدواجية المعايير التى يتعامل بها البعض الآن تسقط قيمة الاتساق مع الذات.
سابعا: على المؤسسة العسكرية الحذر مما يحاول البعض توريطها فيه، مصر لا تحتمل مجازر أخرى تسفك فيها الدماء وترك دفة القيادة للمدرسة القديمة بالداخلية وأمن الدولة سيضع الجيش فى مأزق داخلى وخارجى سيخصم من التأييد الشعبى الحالى وما دروس الماضى والفترة الانتقالية الماضية عنا ببعيد!
ثامنا: معاناة سكان رابعة والمناطق المحيطة بها فاقت الوصف وليس معنى ظهور بعض السكان من المنتمين أو المتعاطفين مع الإخوان على المنصة وإعلانهم تأييد الاعتصام ورغبتهم فى استمراره أن يصدق الإخوان هذا، هناك معاناة حقيقية مستمرة منذ شهر، الناس لا تذهب إلى أعمالها ولا تغادر بيوتها خوفا من حالة الرعب التى يشعرون بها.
تاسعا: إذا قرر الإخوان الاستمرار فى الاعتصام فعليهم نقل الاعتصام إلى مكان آخر بعيدا عن المنطقة السكنية فى مدينة نصر مع تحديد وإعلان الحدود الجغرافية للاعتصام وحدودها ليسهل تأمين الاعتصام من قبل الدولة، مع الحفاظ على سلمية الاعتصام والسماح بتفتيشه من قبل وفد حقوقى يضم سياسيين وشخصيات عامة وممثلين للحكومة حتى يمكن التعامل بشكل قانونى مع الاعتصام إذا احترم قواعد الاعتصام السلمى.
عاشرا: من يريد إراقة الدماء لا يحتاج إلى مبررات وعليه تحمل عواقبها بعد ذلك، ومن الغباء أن تسير فى الفخ المنصوب لك من خصومك لتحقق لهم أهدافهم وتخلق لهم شرعية جديدة، كذلك لا يمكن الخضوع للابتزاز ولا التخويف بالعنف وبين المسارين خط رفيع وهو تطبيق القانون دون المساس بحقوق الإنسان ولا خلق تعاطف مع من تجاوز القانون.