معهد واشنطن: على أمريكا أن تتوقع لمصر ديمقراطية لا تقل عما تحققت فى تركيا.. الأحزاب الإسلامية لا تقبل الاعتدال ما لم يتم فرضه عليها.. هذه الأحزاب تعود لمعاداة الديمقراطية بمجرد تعزيز شعبيتها
الثلاثاء، 23 يوليو 2013 12:14 م
قال جيمس جيفرى كاتب بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والذى عمل سفيرا سابقا فى تركيا، إن الجيش التركى لعب دورا مهما فى الاستقرار خلال العملية الانتقالية، بينما تحولت الأحزاب الإسلامية تدريجيا للاعتدال من خلال المشاركة السياسية، ويتساءل: هل يمكن للذى حدث فى تركيا 1980 أن يوفر خارطة طريق لمصر فى الأشهر المقبلة؟ هل يمكن تكرار التجربة التركية للديمقراطية الشاملة؟.
ويشير جيفرى للسناريو التركى باعتباره أنجح التدخلات العسكرية فى المنطقة على مر الجيلين الماضيين، ورغم اختلاف التفاصيل، فإن تدخل الجيش فى كلا من مصر وتركيا يقف وراءه نفس القوى الأساسية، حيث الاستقطاب الاجتماعى الشديد والاستياء القوى حيال أداء الحكومة وشبح العنف المدنى، وعلى الرغم من بعض الإجراءات المثيرة للجدل التى أتخذها الجيش التركى فى ذلك الوقت، فإنه حظى بتأييد شعبى واسع، إذ أنه وضع البلاد على طريق العودة إلى الحكم الديمقراطى المدنى، حيث تم إجراء انتخابات حرة عام 1983.
ويشير أنه عقب تدخل الجيش التركى عام 1980، فإنه أصدر خارطة طريق للعودة إلى الحياة الطبيعية، والتى تتضمن صياغة الدستور وإجراء استفتاء وطنى على الدستور عام 1982 أسفر عن موافقة 90% من الشعب، وإجراء انتخابات برلمانية. ويضيف أن الانتقال إلى الديمقراطية التعددية الكاملة كان تدريجيا، وبقى الجيش الحاكم الأكبر للسياسة التركية. وبمساعدة المحاكم العليا، فإنه حظر سلسلة من الأحزاب الإسلامية الرافضة للديمقراطية العلمانية والتى تنتهك الدستور الجديد.
والمفارقة أن هذه الجهود أسفرت عن حركة إسلامية معتدلة تحت أسم حزب العدالة والتنمية، الذى حظى بشعبية من خلال الانتقال للمركز، ثم أستخدم هذه القوة لإنهاء دور الجيش فى السياسة.
ويرى المعهد الأمريكى أن طريقة تعامل الجيش التركى خلال المرحلة الانتقالية فى الثمانينيات لن تكون مثال سئ للجيش المصر. وبينما يتساءل عما إذا كان بإمكان الإخوان المسلمين فى مصر أن يكونوا أكثر اعتدالا، فإنه يشير إلى أن تجربة تركيا تشير إلى أن ضوابط وتوازنات قوية على الصعيد الداخلى والخارجى فرضت على الإسلاميين الأتراك هذا الاعتدال.
فإلى جانب حظر الأحزاب السياسية الدينية، فإن أوروبا لعبت دورا فى هذا الاعتدال التدريجى لإسلامى تركيا. وقد قبلت تركيا المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان كمحكمة عليا لها. وعندما تم حظر أثنين من الأحزاب الدينية عام 2001، فإنهم ذهبوا بشكواهم للمحكمة الأوروبية، التى أيدت قرار الحكومة التركية مشيرة إلى أنها تلتزم بمبادئ الديمقراطية العلمانية التى ينص عليها الدستور التركى.
وقد استطاع حزب العدالة والتنمية الإسلامى بعد ذلك الفوز بتشكيل الحكومة التركية من خلال الدفع بأوجه جديدة فى قيادته، مثل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والرئيس عبد الله جول. على نقيض أربيكان، الذى أسس علامة الدعوة إلى الشريعة منذ السبيعينيات، إذ كانت الأوجه الجديدة أفضل لإقناع الأتراك أنهم لن يتبعوا أجندة إسلامية أو متطرفة. وهذا يشير إلى احتمالات أن يعتمد إخوان مصر فى المستقبل على تقديم قيادة جديدة غير ملوثة بخطاب وسياسات الجماعة فى الماضى.
ويشير السفير الأمريكى السابق إلى أن النموذج التركى يقدم العديد من الدروس المتعلقة باحتمال اعتدال الإخوان المسلمين، فالأحزاب الإسلامية تعتدل حينما يسمح لهم بالبقاء فى اللعبة السياسية. فعلى الرغم من أن القضاء التركى حظر عدد من الأحزاب الإسلامية، فإنه منحه خيارات للترشح الإنتخابى تحت مظلة أكثر اعتدالا.
ويضيف أن الأحزاب الإسلامية لا تقبل الاعتدال ما لم يتم فرضه عليهم. فحتى لو تم تضمين الإخوان فى العملية الديمقراطية التى تسير إلى الأمام فى مصر، فإنهم لن يكونوا معتدلين حقا ما لم يتم وضع الضوابط والتوازنات القوية، بما فى ذلك صياغة دستور يفرض احترام المبادئ الديمقراطية ووسائل الإعلام الحرة والقضاء المستقل.
ويتابع أن الأحزاب الإسلامية تصبح معتدلة فى حال فشل برامجها، وقد يقاس هذا بالأصوات اللازمة لصعودها للسلطة. كذلك العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة يمكن أن تلعب دورا فى اعتدال هذه الأحزاب.
ويخلص جيفرى إلى أنه هناك اختلافات بين مصر وتركيا لذا قد لا تنطبق تجربة أنقرة مع الأحزاب الإسلامية على القاهرة. ومع ذلك فيمكن للإخوان المسلمين أن يتبعوا مسار حزب العدالة والتنمية من الاعتدال. ومع ذلك فإن النموذج التركى يؤكد أنه فى حين قد تعتدل الأحزاب الإسلامية بهدف الوصول إلى السلطة، فإنها تميل غالبا للتراجع إلى اليمين بمجرد أن تتعزز شعبيتها لتعود إلى احتضان التوجهات المعادية لليبرالية ووجه نظر الأغلبية الديمقراطية.
فالشعبية التى حظى بها حزب العدالة والتنمية الإسلامى الحاكم حاليا فى تركيا، قادته إلى الابتعاد عن برنامجه المعتدل سابقا، كما رأينا فى جهود الحكومة لقمع المحتجين والاتجاه نحو تشريعات اجتماعية محافظة. ويشير إلى أن اعتدال الأحزاب الإسلامية فى البلدان الديمقراطية هو تكتيك أكثر منه إستراتيجية، لكن بشكل عام فإن انتكاسة الإسلاميين يمكن زراعتها فى إطار نظام ديمقراطى حقيقى.
ويختم بالقول أن تركيا حققت نجاحا ديمقراطيا شاملا عام 1980، بالإضافة إلى أنها أصبحت حليف مفيد ومستقر وقوى للولايات المتحدة، لذا على واشنطن أن تتوقع لمصر نفس المستوى.