اغلق القائمة

الأحد 2024-05-12

القاهره 05:54 ص

مصر فى مهب التاريخ!

الإثنين، 30 ديسمبر 2013 08:39 م

مع مطلع العام الجديد، وبإطلالة سريعة لمسيرة عام 2013 وما سبقه من أعوام قليلة للغاية، ستكتشف أن التاريخ تعامل مع مصرنا الحبيبة بإيقاع سريع جدًا، فخلال ثلاث سنوات فقط سقطت أنظمة وصعدت حكومات.. تألق شباب وانطلقوا، واقتيد حكام إلى السجون، ثم انعكست الآية، فلعن الثوار وبرىء رؤساء ووزراء، وهكذا برق نجم وهوى نجم فى غمضة عين!
تأمل كيف كان مبارك وزمرته يملأون الدنيا غطرسة وفسادًا قبل أقل من ثلاث سنوات فقط، فأين هو ورجاله الآن؟ بعضهم فى السجن وأغلبهم ذاق مرارة الحبس فترة ثم خطف الواحد منهم البراءة، واختفى عن الأنظار، وراح يعاشر شيخوخته ويمضغ أحزانه. وتذكر نجوم ثورة يناير 2011 من الشباب الذين كانوا يطلون علينا فى الصباح والمساء حتى ابتهج بحضورهم الناس واعتبروهم من بقية أهاليهم، ثم تلاشوا فى مهب التاريخ! أين وائل غنيم الذى بكى على رفاقه وأبكى معه مصر كلها ؟ لقد ذاب فى المجهول ؟ أين أحمد ماهر النجم اللامع لحركة 6 أبريل؟ فى السجن، أين نجوم المجلس العسكرى الذى ظل يحكمنا أكثر من 16 شهرًا، ورجاله يطلون علينا كل يوم يشرحون ويفسرون ويأمرون ؟ أين مرشحو الرئاسة الذين غطت لافتاتهم على سماوات مصر واحتلت صورهم مانشيتات الصحف وبرامج الفضائيات؟ أين شفيق وأبو الفتوح وحمدين وخالد على والأشعل وووو؟ أين نوارة نجم وأسماء محفوظ؟ بل أين قادة الإخوان الذين كانوا لا يغادرون القنوات الفضائية حتى حفظ الناس ملامحهم وانزعجوا من تعاليهم وضيق أفقهم؟ أين مرسى وصدره المفتوح والتفاف نفر من النخبة الساذجة حوله فى الفندق الشهير؟ أين أصحاب اللحى المخيفة التى حرّمت وشتمت وهددت وروعت من أمثال الذين دعوا لهدم الهرم وشتموا إلهام شاهين وسبّوا المصريين لأنهم وقعوا على استمارة تمرد؟ بل أين شباب تمرد الذين لعبوا دورًا جوهريًا فى تاريخ مصر ثم خفت نورهم؟ أين أولئك وهؤلاء، منهم من اختفى ومنهم من فرّ هاربًا، ومنهم من فى السجن ومنهم من ينتظر!

إنه مكر التاريخ بتعبير هيجل يا صديقى، هذا المكر الذى لا يرحم الجهلاء والأغبياء، وما أكثرهم فى فترات التحول السريع، فبعد أن كان التاريخ يعامل مصر برخاوة مزعجة وسكون مميت طوال ثلاثين سنة، ها هو التاريخ ينتفض ويهرول ويقفز ويُجن يُصادق ويعادى ويُخاصم ويصالح يطيح حكومات وأنظمة يصفع وجوهًا ويقبّل وجوهًا يفرق الأحباب ويجمع الأعداء فى ثوان معدودات، فإذا الثوار خونة، وإذا الخونة ثوار، لكن التاريخ أبدًا فى سرعته المهولة هذه لا يقترب من الفقراء ولا ينصفهم، ولا يصلح أحوال الملايين ولا يهتم !
لماذا يفعل بنا التاريخ كل هذا ؟ ولماذا لا ينصف الفقراء ؟

لأن التاريخ لا يقف إلا فى صف المنظمين سياسيًا، الأذكياء اجتماعيًا، أى الذين ابتكروا صياغات تضمهم فى حزب سياسى أو جماعة سياسية تستفيد وتوظف مؤسسات الدولة الراسخة والمستقرة منذ عقود، ومن أسف أن الطبقة التى تحكمنا منذ أكثر من أربعة عقود هى التى تملك هذا الحزب وتلك المؤسسات، فلما انتفض الشعب ثائرًا ضد مبارك وزمرته – الرموز البائسة لهذه الطبقة - فى يناير 2011 تحايلت الطبقة مثل الحرباء، وأتت برجال آخرين من الطبقة نفسها وإن كانوا مزوّدين بلحى وجلابيب ليحكومنا، فلما ثار الشعب غير المنظم سياسيًا، وأكرر غير المنظم سياسيًا، ضد مرسى وزبانيته ومرشده تحايلت الطبقة إياها مرة أخرى، واستجاب لها مكر التاريخ، وأطاح الكثير من الذين لم يفهموا أبدًا أن السياسة علم، وتغيير المجتمعات إلى الأفضل علم، وأن جوهر السياسة يكمن فى ضرورة تنظيم الجماهير فى أحزاب سياسية تعبر عن مصالح محددة، وهكذا أطاح التاريخ بأناس سطوا على عيون الشعب أيامًا وشهورًا، وهكذا أيضًا فقد الفقراء، وهم بالملايين، فرصًا مهولة فى الأعوام الثلاثة الأخيرة لتحسين أحوالهم، والسبب واضح: غياب الحزب السياسى الحقيقى الذى يعبر عنهم، الأمر الذى جعل التاريخ يستعيد حيويته وألاعيبه ومكره بسرعة مذهلة!

والآن مع مطلع العام الجديد.. هل نطمح فى أن نفهم قليلاً قانون الثورات، وكيف أن كثيرًا منها يخفق فى البداية لأن الغضب وحده لا يكفى لاقتلاع طبقة ظالمة من جذورها؟ وأن معرفة المزاج العام للجماهير شرط رئيسى للتأثير فيهم؟ وأن الدولة الرأسمالية المستبدة أهون ألف مرة من أختها المتشحة بالدين، وأن مقاومة الاثنين فى حاجة إلى حكمة وذكاء وحصافة؟ وأنه ما من جماعة تستغل تدين المصريين قادرة على السيطرة على عقولهم مرة أخرى مهما كانت (منظمة ومدربة)؟
أرجو أن نعى وندرك ذلك حتى تأمن مصر مكر التاريخ، ولا تظل مثل ورقة فى مهب.. التاريخ!
وكل عام وانت طيب.