اغلق القائمة

الأحد 2024-05-05

القاهره 06:33 ص

وتسألون عن الحلول.. وهى عندكم «جوه»؟!

الخميس، 12 ديسمبر 2013 10:30 ص

عجيب أمركم أيها المصريون، تركبون المرجيحة، وتشكون من «دوخة» رحلتها ما بين تحت وفوق، وتملكون مفاتيح كل الأبواب المغلقة، وتحمل أرفف منازلكم كل الخرائط التى تمنحكم رحلة سهلة نحو أماكن الكنوز، ومع ذلك لم تعرفوا للطريق بداية، ولم تحددوا لمعالمه نهاية.

فى بلدان أخرى أكثر عقلًا وتعقلًا يسألون حكماءهم، ينبشون قبور مخطوطاتهم وإنتاجهم الأدبى والفكرى بحثًا عن خارطة طريق.. فى مصر يفعلون ذلك، ولكن بحثًا عن قصة يسهل تحويلها لمسلسل أو فيلم، أو طمعًا فى قرب من شخصيات كبرى تضفى عليهم بعضًا من بريقها.

فى مصر يعرف الجميع نجيب محفوظ، يقولون الشعر فى أدبه وحكاياته ورواياته، لكنهم لم يفهموا بعد أن فى أدب نجيب محفوظ ما هو أبعد من تسلية القراءة، أو فهم الحارة المصرية، أو ملء فراغ السينما المصرية.. لم يدركوا بعد أن كثيرًا من الحكمة أورثها لنا نجيب محفوظ بين صفحات كتبه، لنصنع منها خرائط نرى من خلالها نور السير فى الإصلاح الاجتماعى والسياسى.

عودوا إلى نجيب محفوظ الذى مرت ذكرى ميلاده أمس دون أن يحصل على حقه من التكريم أو التذكرة.. عودوا إليه وستجدون بين دفاتر تركته كل النور اللازم لاختراق طرقكم المظلمة.. عودوا إليه وستجدونه يخبركم فى «السكرية»: «إذا لم يكن للحياة معنى، فلمَ لا نخلق لها معنى، ربما كان من الخطأ أن نبحث فى هذه الدنيا عن معنى، بينما مهمتنا الأولى أن نخلق هذا المعنى».

عودوا إلى الشيخ عبد ربه التائه، وأحلام فترة النقاهة، وأخلصوا فى التركيز حتى تستخلصوا روعة دستور محفوظ الإنسانى، يضع أساس العدل قائلًا: «هذه محكمة وهذه منضدة يجلس عليها قاض واحد، وهذا موضع الاتهام يجلس فيه نفر من الزعماء، وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقًا لمعرفة المسؤول عما حاق بنا، ولكنى أحبطت عندما دار الحديث بين القاضى والزعماء بلغة لم أسمعها من قبل، حتى اعتدل القاضى فى جلسته استعدادًا لإعلان الحكم باللغة العربية فاستدرت للأمام، ولكن القاضى أشار إلىّ أنا، ونطق بحكم الإعدام، فصرخت منبهًا إياه بأننى خارج القضية، وأننى جئت بمحض اختيارى لأكون مجرد متفرج، ولكن لم يعبأ أحد بصراخى».

ثم يؤسس للحكمة البشرية فى أكثر من موضع قائلًا:

- قال الشيخ عبد ربه التائه: لا يوجد أغبى من المؤمن الغبى، إلا الكافر الغبى.

- سألت الشيخ عبد ربه: ما علامة الكفر؟ فأجاب دون تردد: الضجر.

- سألت الشيخ عبد ربه التائه: كيف تنتهى المحنة التى نعانيها؟ فأجاب: إن خرجنا سالمين فهى الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل.

- الشيخ عبد ربه التائه قال: عثر يومًا على حقيبة تحوى كنزًا من المال، وفيها ما يدل على شخص صاحبها وعنوانه، وكان من المنحرفين الذين ابتليت بهم البلاد، فقررت ألا أردها إليه، وأودعتها سرا بدروم رجل فقير من أصحابنا عرف بالتقوى، وأنا لا أشك فى أنه سينفقها فى سبيل الله، ثم علمت أنه ردها إلى صاحبها، متنازلًا عن حقه الشرعى فيها، فحزنت وأسفت.

ثم توفى صاحبنا التقى الفقير، فهرعت إليه، وغسلته وكفنته، وحملته إلى الجامع، وصليت عليه، ولما انتهت الصلاة، لمحت بين المصلين خلف نعشه الرجل الغنى المنحرف، وهو يبكى بحرارة، واهتز فؤادى وقلت: «سبحانك يا مالك الملك، تعلم ما لا نعلم، وربما جاءت الصحوة بإذنك من حيث لا يدرى أحد».

- قلت للشيخ عبد ربه التائه: سمعت قومًا يأخذون عليك حبك الشديد للدنيا.

فقال: حب الدنيا آية من آيات الشكر، ودليل ولع بكل جميل، وعلامة من علامات الصبر.
- قال الشيخ عبد ربه التائه: من خسر إيمانه خسر الحياة والموت.