اغلق القائمة

الإثنين 2024-04-29

القاهره 06:01 م

اسأل نجيب محفوظ عن مصر غداً

الخميس، 12 ديسمبر 2013 07:07 ص

«نظر فى وجوههم وسألهم: ماذا تقولون بعد هذا الذى كان؟، فأجاب الأكبر: لا أمل بغير القانون، وأجاب الأوسط: لا حياة بغير الحب، وأجاب الأصغر: العدل أساس القانون والحب، فابتسم الأب وقال: لا بد من شىء من الفوضى كى يفيق الغافل من غفلته».. هكذا كان نجيب محفوظ يرى العالم فى أصداء السيرة الذاتية.
نجيب محفوظ الذى ولد فى مثل هذه الأيام، يقدم صورة التاريخ الاجتماعى للمصريين اليوم، ويكتشف قارئه أن بدايات القرن الماضى حملت نفس الصراعات والانقسامات والأسئلة، بما يؤكد أننا لا نواجه جديدًا فيما نراه، إنما نحصد نتاج التركيبة المعقدة التى حاول نجيب محفوظ فى أكثر من نصف قرن تفكيكها وفهمها.
فالثلاثية تقدم وصفًا تفصيليًا للثوار والانتهازيين، والسياسيين، والعشاق، والظرفاء، والانتهازية القائمة على التسلط فى «القاهرة الجديدة»، ونقد التنظيم السياسى فى «ميرامار» و«ثرثرة فوق النيل»، والبحث عن العدل رغبة لدى «الحرافيش» مصحوبة باستسلام يجعلهم مفعولًا بهم وليسوا فاعلين فى سياق العالم السياسى.
شخصيات نجيب محفوظ يمكن أن نرى مثلها فى الشوارع والحوارى والأزقة، فهو يقدم خلاصة أجيال وتراكمات وأنواع من البشر المتناثرين والضعفاء والانتهازيين، ومع آلاف تعاطفوا مع عاشور الناجى، الفتوة الزاهد فى «الحرافيش»، هناك من آمنوا برسالة محجوب عبدالدايم، واعتبروها الطريق المضمون للكسب والعيش فى مجتمع منافق.. محجوب متوافر فى البرلمانات والجامعات، والسياسة والاقتصاد والإعلام، ويمكن أن تجد لدى نجيب محفوظ تبريرًا لمحجوب، لأن محفوظ لم يكن يحمل مطرقة قاض، ولا ادعاء نيابة، إنما كان يقدم الواقعة برواية نيابة تارة، ومحام تارة أخرى، ليرسم صورة لا تدعو للاتهام، لكنها محاولة للفهم. فى رواياته عن قاهرة ما بين الحربين يرصد اغتيال الحريات، ونشأة الفاشية، وانتشار البطالة والبؤس والفقر.. قاهرة الطبقة المتوسطة الصغيرة، الموظفين والطلبة. ويذهل من يكتشف أن نفس الصراعات والاختلافات والأسئلة التى كانت فى بدايات القرن العشرين ماتزال كما هى، وحتى حيرة الشخصيات الثورية، وانتهازية بعضها، وعدمية البعض الآخر.
بدا نجيب محفوظ محافظًا على المسافة التى تفصله عن الانتماءات الحزبية والأيديولوجية، فهو لم ينضم إلى تنظيمات يسارية أو يمينية، مع أنه كان أقرب إلى اليسار، لكنه أيضًا كان منتميًا للوفد القديم ممثلًا فى سعد زغلول الذى عاصره وهو فى الطفولة، ومن بعده النحاس.. آمن بالوطنية والعلم والحرية.. حرية الاعتقاد والتعبير، وبالعدالة والتسامح.
نجيب محفوظ هذا الفيلسوف الحكيم، الموظف المراوغ المتسامح، لم يتنازل عن إيمانه بالحرية والعدل، حتى الذين حاولوا اغتياله، حاول أن يجد لهم تبريرًا، وهو الذى عاش يحاول البحث عن أسباب لمأساتهم هم وغيرهم، وكان طبيعيًا أنهم لم يقرأوا له حرفًا.
ويصعب على الذين قرأوا نجيب محفوظ أن يضمروا له شرًا من أى نوع، وهو الذى لم يتحدث بيقين، بل كان يحرص على أن يقدم الشخصيات كما هى لا كما يريدها. فأحفاد أحمد عبدالجواد الشيوعى والإخوانى- كلاهما فى السجن- بذور أجيال الحيرة والانقسام داخل العقل المصرى الذى احتفظ بالأفكار خامًا.. عرب وفراعنة مماليك ليبراليون وشيوعيون وإخوان وغيرهم، كانوا يخوضون نفس الصراعات، ويبدو أنهم سيواصلون الصراع لفترة.