اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-05-07

القاهره 02:17 م

المعلم غطاس وأبناؤه

الإثنين، 07 يناير 2013 09:43 ص

لم يكن الزمن فيه هؤلاء الذين يتطوعون بالفتوى التى تحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، ولم يكن الزمن فيه هؤلاء الذين يبثون الفتنة، ولم يكن فيه شيوخ يصعدون المنبر ويرمون المسيحيين بكل الصفات السيئة، ولا يتعرضون للفاسدين الذين يكنزون المال، ويحلبون الوطن على حساب الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم.

كان المعلم غطاس برسوم رمزا فى بلدتى كوم الآطرون، طوخ، قليوبية، يتوجه إليه أبناء البلدة بوصفه واحدا من كبارها، أمينا يثق المسلمون فى وضع أمانتهم عنده، وحكيما يلجأ إليه الناس للسؤال، وصديقا ودودا لكبار البلد ووجهائها من المسلمين، يقضون معه ساعة العصارى كل يوم لسرد الذكريات والحكايات عن كل الماضى والحاضر، ولمهارته فى شراء الذهب كان هو رجل الساعة فى تجهيز عرائس القرية، ويستدعى شطارته فى الفصال من أجل توفير بضعة جنيهات لأهل العروسة، لا فرق فى ذلك بين مسلم ومسيحى.

كانت العلاقة بهذا الشكل امتدادا لميراث اجتماعى عميق فى التعامل بين المسلمين والمسيحيين، فالبيوت متجاورة، والحقول يفصلها الحدود، لكن توحدها المحبة، والمحن تصهر الجميع، ولا يلعب فى ذلك الدين السمح دورا فى التفرقة، وإنما عمق المصلحة العامة التى لا تتعارض مع جوهر الدين كانت لها الكلمة العليا، وكان الإيمان فطريا وعميقا بين الجميع بأن الدين لله، والوطن للجميع.

فى بلدتى كان جنود مسيحيون جنبا إلى جنب مع جنود مسلمين فى الجيش الذى يعد الرمز الأول للوحدة الوطنية فى تاريخ مصر، وخاضوا جميعا حروب مصر، من حرب 5 يونيو 1967 مرورا بحرب الاستنزاف، وانتهاء بحرب وانتصارات أكتوبر عام 1973، وكان النبض العام واحدا فى القلق على الجميع، وأذكر أن كل أهل البلد فى حرب أكتوبر عام 1973، كانوا يخرجون فرحا مع كل عودة جندى مسلم ومسيحى من القتال.

مع أعياد المسيحيين أستدعى صورة المعلم غطاس الذى بلغ الزحام فى عزائه إلى الدرجة التى أدهشت القسيس فقال فى كلمته: «هذا مشهد عظيم يعبر عن المحبة وخير دليل على الوحدة الوطنية»، أستدعى صورة هذا الرجل ليس بوصفه رمزا مسيحيا فى بلدتى، وإنما رمز عام مع كل العظماء الذين مروا على تاريخها، وأستدعى صورة الجنود المسيحيين الذين شاركوا فى حروب مصر حتى أقول، إنه لم نكن أبدا على خطأ فى تهنئتهم بأعيادهم، فتلك واحدة من العادات الجميلة التى شقت طريقها بين المصريين وستبقى رغم أنف شيوخ الظلام التى يحرمونها الآن.