اغلق القائمة

الأحد 2024-05-05

القاهره 11:51 م

هيبة الدولة فى المستشفى

الأربعاء، 30 يناير 2013 06:59 ص

الحديث عن هيبة الدولة لم يتوقف طوال عامين، وكان مرفوعا طوال السنوات الأخيرة لمبارك. ويختصر البعض هيبة الدولة فى منشآت ومبان، لكنهم يتجاهلون الجزء الأهم من الهيبة، وهو المواطن الذى يمثل الصورة الأولى للهيبة والقيمة والتحضر، ومادامت حقوق هذا المواطن مصونة وكرامته محفوظة، فسوف تكون الهيبة كاملة.

المصادمات والعنف وقطع الطرق تكسر الهيبة، ولا ننسى الجريمة المنظمة، والعدوان على الأراضى والمخالفات، والإشغالات، وبلطجية المرور.. كل هذا يهدد الهيبة. لكن اعتبار الباعة الجائلين يهددون هيبة الدولة، مع تجاهل البطالة التى تدفع بملايين الشباب للشوارع، يجعل الحكم ناقصا. وعندما يصل عدد أطفال الشوارع إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين فى القاهرة والمحافظات، يفترض أن يكون هذا مؤشرا على تراجع هيبة الدولة التى لاتستطيع تقديم مأوى ورعاية وتعليم لكل هذه الملايين.

ملايين المواطنين تحت خطوط الفقر، بلا ضمانات اجتماعية أو سياسية، أغلبهم عاطلون ومرضى ومحبطون، يمثلون إهانة لهيبة أى دولة، أكثر مما يمثله احتجاج أو انفلات. وجزء من الفوضى الجارية فى الباعة الجائلين واحتلال الميادين والبلطجة يرجع إلى البطالة، والتردى الاجتماعى، والفقر، وفقدان الأمل. ومن الصعب أن تنجح حملات الشرطة والبلدية فى مواجهة الباعة الجائلين ما لم تكن هناك خطط لإعادة تأهيل وتوظيف ملايين الشباب العاطل الذى لا يجد غير الشارع.

عشرة ملايين فى العشوائيات، ومليونان فى المقابر، وخمسة ملايين عاطل يجب أن يمثلوا إهانة للدولة أكثر من باقى التفاصيل التى يمكن أن تنتهى إذا انتهى ذلك.
قد يكون قطع الطرقات من أسباب إهانة هيبة الدولة، لكن العشوائيات مهينة أكثر، وحال المستشفيات العامة يفترض أن يصيب بالخجل والخوف والإهانة.

ومادام المواطن مهانا فى المستشفى والمدرسة والشارع، فمن الصعب أن نطالب بهيبة للدولة التى يسقطها العجز عن تطبيق القانون، مثلما يسقطها الفقر والجهل والفوضى والعشوائيات.
هيبة الدولة تقوم بالقانون، وقبل ذلك بترسيخ تكافؤ الفرص، وتوفير العمل الإنسانى، والدخل المناسب، والمسكن الآدمى، والعلاج الذى لا يضطر فيه المواطن لتسوّل حقه.
الهيبة تسقط عندما يقع مواطنون قتلى أو جرحى فى كوارث يروح ضحيتها فقراء فى القطارات والطرق، أو يموتون لغياب العلاج فى المستشفيات.

هيبة الدول تهتز باستمرار مخالفة القانون دون عقاب، واتساع الجريمة دون مواجهة، وهناك مؤشرات يومية من ممارسات ومخالفات تكشف عن غياب الإحساس بالقانون، وينضم مخالفون جدد يرون أن القانون غائب.

الهيبة تتحقق بتطبيق القانون على الجميع بمساواة، ودون تفرقة بين غنى وفقير، أو مسؤول ومواطن. ثم إن الهيبة لا تقوم فقط بأجهزة الأمن أو وزارات الداخلية، إنما تبدأ من قدرة الدولة على تأدية واجباتها تجاه مواطنيها، فى طرق منظمة، ومواصلات عامة آدمية، ومدارس، ومستشفيات لا يختلف فيها الخاص عن العام، وأن يكون الفقر والعشوائيات مخجلة أكثر من المخالفات.