اغلق القائمة

السبت 2024-04-27

القاهره 11:00 ص

قاضى مبارك وقميص عثمان

الإثنين، 04 يونيو 2012 10:50 م

جلسنا جميعًا ننتظر بلهفة كل كلمة تخرج من فم المستشار أحمد رفعت، فى جلسة النطق بالحكم فى محاكمة مبارك والعادلى وكبار مساعديه، وبنفس القدر من الإحساس بأهمية هذا المشهد جاءت طريقة القاضى رفعت، وهو يتلو الحكم ويقرأ قبله بيانا يتحدث عن فساد نظام مبارك وسواد عهده وتجويعه لشعبه وعن سلمية ثورة يناير، التى أضاءت نور الحرية.

الكل ظن وهو يستمع إلى هذه الكلمات الثورية، أن الحكم سيصدر بالإدانة الشديدة لمبارك والعادلى ومعاونيه، ولكن القاضى انبرى بعد ذلك ليتحدث عن الأدلة التى تم طمسها وعدم وجود تسجيلات صوتية أو مرئية للإدانة وعدم الثقة فى بعض الشهود وعدم تقديم الفاعلين الأصليين فى جرائم قتل المتظاهرين، وهو ما أدى إلى إصدار أحكام بالبراءة على معاونى العادلى الستة وبراءة جمال وعلاء والمؤبد لمبارك والعادلى بسبب امتناعهم عن وقف عمليات الاعتداء على المتظاهرين، وليس بسبب مشاركتهم فى قتلهم.

رأى البعض أن ما قاله المستشار رفعت، عن فساد نظام مبارك وإذلاله للشعب المصرى يتناقض مع الأحكام التى أصدرها، والتى توقع الكثيرون أنها مقدمة لتبرئة مبارك والعادلى فى النقض وشعر الكثيرون بالصدمة من الحكم وتجاوز البعض لاتهام المستشار رفعت والقضاء المصرى، وهتف بعض المحامين فور النطق بالحكم ضد القضاء بقولهم "الشعب يريد تطهير القضاء"، وانتقد البعض أيضًا عدم قيام المستشار رفعت بتأجيل النطق بالحكم إلى ما بعد جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية حتى لا يتم استغلاله سياسيًا.

الكل انتقد الحكم وانهالت الاتهامات على القضاء بصفة عامة وعلى المستشار رفعت بصفة خاصة، الكل أراد أن يتحمل القاضى نتيجة أخطاء كثيرة وقعت منذ تنحى المخلوع ونتيجة محاولات إجهاض الثورة وطمسها حتى ممن شاركوا فيها، الكل أراد أن يلقى بقميص عثمان القضاء والقاضى، ولا أعرف لماذا أبدى الجميع صدمته واندهاشه من الحكم، رغم أن كل المقدمات كانت تؤكد أننا سنصل إليه، بل وكانت تشير أنه سيصدر حكما ببراءة مبارك - وهو ما أشرت إليه فى مقال سابق بعنوان براءة مبارك - وذلك بعد طمس واخفاء كل الأدلة بشكل متعمد يعجز معه القاضى أن يصدر حكما بالإدانة، وبعد أن تقرر محاكمة مبارك ونظامه أمام قضاء مدنى وبالقوانين العادية المدنية رغم فداحة جرائمه وكونها جرائم استثنائية كان يجب أن تنظر أمام محكم استثنائية، ولكننا انخدعنا بضرورة أن تصدر الأحكام من محاكم مدنية، وأن هذا يساعد فى استرداد الأموال المهربة للخارج لتأتى الأحكام ببراءة مبارك حتى من جرائم الاستيلاء على المال العام أو التربح من منصبه طبقًا لما أمام القاضى من مستندات، وبالأصح طبقا لما لم يتوفر من مستندات تم إخفاؤها أو محوها.

من ناحية أخرى انشغلت القوى السياسية طوال الفترة الماضية بالتناحر والتصارع والانقسام وفشلت فى إصدار قوانين لمحاكمة مبارك ونظامه على الجرائم السياسية حتى بعد تشكيل البرلمان الذى وقف نوابه فى أول جلسة يؤكدون أنهم لن يفرطوا فى حقوق الشهداء وانهمرت دموعهم وهم يعدون بالقصاص دون أن يفعلوا شيئا لتنفيذ هذه الوعود، حتى أنهم لم يفكروا فى إصدار قانون العزل السايسى إلا حينما ترشح اللواء عمر سليمان للرئاسة، وأخذ كل تيار سياسى يعمل لصالحه، وانبرى من نطلق عليهم النخبة يتحذلقون ويتفذلكون ويصدعون رؤوسنا بالحديث عن التوافق الذى لم يحدث وعن الثورة التى لم تكتمل دون أن نرى أفعالا لإنقاذ الثورة حتى وصلنا لما نحن فيه من نتائج بوصول شفيق إلى مرحلة الإعادة وخروج ممثلى قوى الثورة الذين لم يتوحدوا من السباق الرئاسى وبراءة مساعدى العادلى وجمال وعلاء والحكم على مبارك والعادلى ليس بقتل المتظاهرين، ولكن بالامتناع عن وقف الاعتداء عليهم، وهو ما يمكن نقضه بسهولة ليتم تبرئة مبارك والعادلى فى النقض.

اليوم أراد الجميع أن يلقى بقميص عثمان بن عفان على المستشار رفعت وعلى القضاء الذى حكم بما لديه من قوانين وأدلة ممسوخة أردنا أن نحمله وحده مسئولية عدم القصاص للشهداء وهدر دمائهم، رغم أننا جميعا شركاء فى هذه الجريمة.

فماذا كنا نتوقع من قضاء وقاض وضعت أمامه قضية مهلهلة بعد أن عبث أذناب النظام بكل أدلتها وبعد أن قصرت القوى الثورية فى الاتفاق على وسيلة لمحاكمة النظام، الذى أسقطته الثورة بما لا يسمح بأن يفلت بجرائمه، وكيف لمن ينتقدون عدم قيام القاضى بتأجيل النطق بالحكم أن يضمنوا إذا صدر هذا الحكم فى حالة فوز شفيق ألا يتم اتهام القضاء بتلقى أوامر لإصداره وفى حالة فوز مرسى ألا يقال إنه تم فى إطار صفقة مع الإخوان.
إذا ربطنا بين ماقاله المستشار رفعت من حديث عن الفساد السياسى والاجتماعى لنظام مبارك، وحديثه عن طمس أدلة الإدانة وما أصدره من حكم، ندرك أن ما لم يقله المستشار رفعت أكثر بكثير مما قاله، وأنه أراد أن ندرك أنه رغم ثقته ويقينه بفساد نظام مبارك إلا أنه لا يملك من الأدلة ما يدينه، وأننا أخطأنا الطريق بمحاكمته أمام قضاء عادى دون قوانين تحاكمه على فساده السياسى، وأخيرا أراد أن يقول: "لا تلقوا عليى بقميص عثمان لتوهموا أنفسكم أننى أنا الذى ضيعت حقوق الشهداء.