اغلق القائمة

الإثنين 2024-05-06

القاهره 05:59 ص

حتى لا يعود «أمن الدولة»

الثلاثاء، 07 فبراير 2012 03:34 م

عودة الكلام عن هيكلة وزارة الداخلية.. عودة متأخرة مثل خطوة تفريق رموز نظام مبارك على سجون متفرقة اتقاء للشبهات إن لم يكن اتقاء للفتن وخططهم لحرق الوطن، وحتى لا يمر الكلام عن هيكلة وزارة الداخلية كما مر من قبل مرور الكرام وتتحول عملية الهيكلة إلى مجرد تغيير فى الأسماء والوجوه، لابد أن نستكمل ما بدأناه عن جهاز أمن الدولة الذى تخيل أهل السلطة فى مصر أن تغيير اسمه إلى «الأمن الوطنى» كاف لكى ينسى المصريون أن الجهاز الذى اعتقل وعذب الآلاف منهم، وأفسد الحياة السياسية لم يحاسبه أحد، ولم ينل رجاله العقاب المناسب على مافعلوه فى مصر وشعبها، ولم نضع الاحتياطات القانونية والأمنية الكاملة لعدم توحش الجهاز فى ثوبه الجديد أو إصراره على الانتقام.

الشهور الماضية شهدت تلقى وسائل الإعلام والمراكز الحقوقية شكاوى بالجملة وكلها تدور حول أن الذين عادوا للعمل تحت مسمى جهاز الأمن الوطنى هم أنفسهم ضباط وأمناء ومخبرو جهاز أمن الدولة السابق الذين أفسدوا وعذبوا، والذين طالما قدموا ضدهم شكاوى وبلاغات بسبب تعسفهم وفسادهم.

أمن الدولة ذلك الجهاز الجبار الذى حظى بدعم الدولة ورعاية وزارة الداخلية، وكان يملك حق تقرير الصغيرة قبل الكبيرة فى البلد، كان قوامه الرئيسى 3 آلاف ضابط وحوالى 15 ألف أمين وجندى، بالإضافة إلى 15 ألف موظف مدنى، لا يمكن تبرئتهم من أعمال الإرشاد وكتابة التقارير ونقل المعلومات، بالإضافة إلى عدد ضخم من المرشدين يصل إلى حوالى مليون مرشد، وكل هذا موزع على مختلف محافظات مصر، أضف إلى تلك الأرقام حالة السرية التى أحاطت بالجهاز والتى توحى بأن الكثير من أسرار هذا الجهاز ومقاره وسجونه ورجاله مازالوا طى الكتمان.

كل هذه الأرقام والأعداد الضخمة حاول المجلس العسكرى ومعه حكومة شرف التى تم حل الجهاز فى عهدها أن يقنعونا أنه تم هيكلتها فى شهر واحد فقط، هو الفترة الزمنية التى فصلت بين إعلان حل الجهاز وإعلان بدء جهاز الأمن الوطنى عمله فى المطارات والمحافظات المختلفة، شهر واحد فى الظروف العادية حيث البلد أكثر استقرار، وحيث مقار الجهاز السابق على حالها، ولم تتعرض للحرق أو التدمير والملفات لم تتعرض للسرقة والتسريب، لا يكفى أبدا لإعادة تشغيل أو حتى وضع خطط أمنية واضحة مختلفة عن الخطط السابقة، شهر واحد فى الظروف العادية لا يكفى لإعادة تقييم الأفراد العاملين بالجهاز، والذين يبلغ عددهم مجتمعين أكثر من 33 ألفا، ودراسة ملفاتهم من أجل استبعاد المتهمين فى قضايا فساد وتعذيب، صعوبة حدوث ذلك فى شهر واحد فى ظروف طبيعية يعنى استحالة حدوثه تماما فى تلك الظروف الصعبة التى تعيشها مصر، ولا أعرف كيف تخيل أهل السلطة فى مصر الآن أن المواطن المصرى سيصدق بسهولة أنه تم تقييم 3 آلاف ضابط نصفهم على الأقل متهم بالفساد والتعذيب خلال أسبوعين أو ثلاتة، بشكل يضمن طهارتهم وبراءتهم من التهم المنسوبة إليهم، ويضمن عملهم بشكل مخالف عما كان فى السابق! وهل يعقل ألا نسمع عن أى محاكمة أو تحقيق مع ضباط الجهاز الذى كان أكثر انتهاكا للقانون وتعذيبا للمواطنين وتبديدا للمال العام؟

فى الأمر إذن خدعة كبرى اسمها حل جهاز أمن الدولة، خدعة تكشف أن لعبة إعادة الهيكلة التى يتحدثون عنها، ما هى إلا «شخشيخة» للإلهاء لا أكثر، وأن الجهاز القمعى والأساليب القديمة فى وزارة الداخلية باقية وتعيش حالة سكون فى انتظار اللحظة المناسبة لإعادة ممارسة نشاطها، الذى رأيناه فى الوقوف كالمتفرجين داخل استاد بورسعيد لمشاهدة المجزرة التى راح ضحيتها أكثر من 70 شابا مصريا.

لا تصدقوا وزارة الداخلية إذن، ولا تصدقوا كذبة جهاز الأمن الوطنى، ولا تصدقوا أى كلام عن إعادة هيكلة أو تغيير سياسى إلا إذا قامت وزارة الداخلية ومعها المجلس العسكرى وحكومة الجنزورى بنشر كل أسماء الضباط العاملين فى جهاز الأمن الوطنى الآن، ومراجعة ملفات الشكاوى بوزارة الداخلية والمراكز الحقوقية ودراسة ملفات كل ضابط، وتقييم أدائه فى المنطقة التى كان يعمل بها، حتى نضمن أن الذين عادوا إلى الجهاز هم أهل الكفاءة والشرف، وليس أهل الواسطة وملفات التعذيب.