اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 09:17 ص

الفرماوى والسرساوى.. وبواب نادى القمار!!

الجمعة، 17 فبراير 2012 08:04 ص

تدرج اللواء عمر الفرماوى فى عدة مواقع داخل مصلحة السجون أثناء تواجدى رهن الاعتقال ثم المحاكمة، ثم تنفيذا للعقوبة!! وفى كل هذه المراحل كان من بين مهام الرجل التعامل معى والاتصال بى إلا إذا تعقدت الأمور، كنت لا أرى ظلا له إلا إذا كان لديه حل يرضى به كل الأطراف!!
كنت دائما أرى الفرماوى - رغم ميوله التوافقية - كبواب فى نادى قمار، الداخلون يتجاهلونه والخارجون يلعنونه، ومن لم يدخل، ولم يخرج، لا يستريح لدوره أو اسمه، ويتشكك فى نواياه، حتى إن الرجل خرج من السجون مديرا لأمن أكتوبر بعد أن تلقى طعنة بنصل من أحد السجناء أثناء تدخله لحل إحدى الأزمات!!
لم يكن خروج الفرماوى من السجون دليلا على أن الحياة ابتسمت له أخيرا، وأن ذكاء الرجل انتصر أخيرا على حظه العاثر، فما لبث أن انتقل إلى مديرية أمن أكتوبر لتتلاحق أحداث الثورة، وينتقل رجل المباحث الشهير إلى قفص الاتهام المجاور لمبارك شخصيا وحبيب العادلى وعصابته!!
تابعت بالأمس باهتمام بالغ مرافعة دفاع الفرماوى، المتهم الأخير فى محاكمة العصر، وشعرت مرة أخرى أن الفرماوى مازال يلعب دور بواب نادى القمار الذى لا يقامر، ولا يعرف قواعد المقامرة، وربما يصلى الخمسة الفروض بانتظام، لكنه دائما الأكثر حظا فى لعنات المارة وبوابى العمارات المجاورة وأنصار الفضيلة، الذين يرون فى الرجل عنوانا للرذيلة والفجور، وسارقا لأموال المقامرين!! بينما هو فى الحقيقة كبش فداء لأصحاب النادى!!
اسم الرجل «الفرماوى» كان دائما أحد أسباب اللعنة التى لاحقته، فالرجل رغم كياسة تصرفاته والذكاء المفرط فى التعامل مع الأزمات يعانى دائما من الانطباع عن اسمه، الذى يرسم صورة ذهنية لجلاد أو قاطع طريق أو زعيم لعصابة من القتلة.
فى منتصف الثمانينيات كانت هناك قضية شهيرة أحيل فيها 44 ضابطا من كبار ضباط أمن الدولة والسجون إلى المحاكمة عقب سلسلة من المقالات نشرتها فى «الوفد» عن التعذيب فى السجون، وكان أحد أبرز الأسماء التى ترددت فى هذه المحاكمة اسم «السرساوى» مأمور سجن مزرعة طرة فى وقت اعتقالات 1981 وما بعدها.
وكما واظبت على الكتابة لسنوات عن ملف التعذيب واظبت على حضور جلسات المحاكمة التى كانت تجرى فى محكمة جنوب القاهرة بباب اللوق.. وشعرت بقدر من الرضا وأنا أرى أسماء كبيرة فى عالم أمن الدولة تدخل لأول مرة أقفاص الاتهام، وكان بينهم السرساوى مأمور سجن المزرعة.
فى إحدى الجلسات نظرت إلى جوارى فوجدت غلاما لا يتجاوز عمره 15 عاما جميل الملامح تذرف عيونه الدموع دون صوت، ودون توقف، لم أتمالك نفسى فى أن أربت على كتفه وأسأله: لماذا تبكى؟! قال لى أبكى من أجل أبى!! قلت له ومن أبوك؟! فقال لى: السرساوى»!!
غادرت فوراً قاعة المحكمة، وعدت إلى منزلى، وقضيت أياما طويلة لا أفعل شيئاً غير قراءة أوراق القضية، للوقوف على الدور الحقيقى لهذا الرجل «الشيطان من وجهة نظرى» الذى أنجب ملاكاً بهذه الرقة والعذوبة!!
وبالفعل اكتشفت أن أخطر دور لعبه السرساوى فى الأوراق أنه كان كبواب نادى القمار، لا يعرف الناس غيره، بينما هو لا يعرف شيئاً عما يدور وراء الباب الذى يجلس أمامه.
لم يكن هذا سببا لتبرئة الرجل - من وجهة نظرى - فهو مسؤول، حتى ولو لم يكن فاعلا أصليا للجريمة.
لكننى قررت ألا أحضر أبدا جلسات المحاكمة، حتى لا أرى هذا الطفل الجميل يبكى، بعد أن فطر قلبى!!
بعد سنوات سألت عن السرساوى فعرفت أنه تقاعد عن العمل، بعد أن حصل على البراءة، فسألت عن ابنه الذى فطر قلبى، وقت المحاكمة، بدموعه، ورقة ملامحه، فكانت المفاجأة لى أنه أصبح ضابطاً كبيراً بأمن الدولة!!